فصل (
ونفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه في نفقة الزوجة ) لقوله تعالى: {
وعلى المولود له رزقهن }والمولود له هو الأب ( وإن
كان الصغير رضيعا فليس على أمه أن ترضعه ) لما بينا أن الكفاية
[ ص: 566 ] على الأب ، وأجرة الرضاع كالنفقة ، ولأنها عساها لا تقدر عليه لعذر بها فلا معنى للجبر عليه .
وقيل في تأويل قوله تعالى: {
لا تضار والدة بولدها }بإلزامها الإرضاع مع كراهتها ، وهذا الذي ذكرنا بيان الحكم ، وذلك إذا كان يوجد من ترضعه . أما إذا كان لا يوجد من ترضعه تجبر الأم على الإرضاع صيانة للصبي عن الضياع .
قال : ( ويستأجر الأب من ترضعه عندها ) أما استئجار الأب فلأن الأجر عليه ، وقوله عندها : معناه إذا أرادت ذلك الحجر لها ( وإن
استأجرها وهي زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز ) ; لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة .
قال الله تعالى : {
والوالدات يرضعن أولادهن }إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها ، فإذا أقدمت عليه بالأجر ظهرت قدرتها فكان الفعل واجبا عليها ، فلا يجوز أخذ الأجر عليه ، وهذا في المعتدة عن طلاق رجعي رواية واحدة ; لأن النكاح قائم وكذا في المبتوتة في رواية . وفي رواية أخرى جاز استئجارها ; لأن النكاح قد زال .
وجه الأولى أنه باق في حق بعض الأحكام . ( ولو
استأجرها وهي منكوحته أو معتدته لإرضاع ابن له من غيرها جاز ) ; لأنه غير مستحق عليها ( وإن
انقضت عدتها فاستأجرها ) يعني لإرضاع [ ص: 567 ] ولدها ( جاز ) ; لأن النكاح قد زال بالكلية وصارت كالأجنبية ( فإن
قال الأب : لا أستأجرها وجاء بغيرها فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية إن رضيت بغير أجر كانت هي أحق ) ; لأنها أشفق فكان نظرا للصبي في الدفع إليها ( وإن التمست زيادة لم يجبر الزوج عليها ) دفعا للضرر عنه ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : {
لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده }أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية . ( ونفقة الصغير واجبة على أبيه وإن خالفه في دينه كما تجب نفقة الزوجة على الزوج وإن خالفته في دينه ) أما الولد فلإطلاق ما تلونا ، ولأنه جزؤه فيكون في معنى نفسه ، وأما الزوجة فلأن السبب هو العقد الصحيح فإنه بإزاء
[ ص: 568 ] الاحتباس الثابت به ، وقد صح العقد بين المسلم والكافرة وترتب عليه الاحتباس فوجبت النفقة ، وفي جميع ما ذكرنا إنما تجب النفقة على الأب إذا لم يكن للصغير مال . أما إذا كان ، فالأصل أن نفقة الإنسان في مال نفسه صغيرا كان أو كبيرا .