نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
باب ما يدعيه الرجلان قال : ( وإذا ادعى اثنان عينا في يد آخر كل واحد منهما يزعم أنها له وأقاما البينة قضي بها بينهما ) وقال الشافعي رحمه الله في قول : تهاترتا ، وفي قول يقرع بينهما لأن إحدى البينتين كاذبة بيقين لاستحالة اجتماع الملكين في الكل في حالة واحدة ، وقد تعذر التمييز فيتهاتران أو يصار إلى القرعة { لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقرع فيه وقال : اللهم أنت الحكم بينهما } [ ص: 173 ] ولنا حديث تميم بن طرفة " { أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناقة وأقام كل واحد منهما البينة فقضى بها بينهما نصفين }" ، وحديث القرعة كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ ولأن المطلق للشهادة في حق كل واحد منهما محتمل الوجود بأن يعتمد أحدهما سبب الملك والآخر اليد فصحت الشهادتان فيجب العمل بهما ما أمكن وقد أمكن بالتنصيف ، إذ المحل يقبله وإنما ينصف لاستوائهما في سبب الاستحقاق .


[ ص: 165 - 172 ] باب ما يدعيه الرجلان الحديث الأول : قال عليه السلام : " { اللهم أنت الحكم بينهما }" حين أقرع في البينتين ، قلت : رواه الطبراني في " معجمه الوسط " حدثنا علي بن سعيد الرازي ثنا أبو مصعب ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أسامة بن زيد عن بكير عن عبد الله بن الأشج ثنا سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء كل واحد منهما بشهود عدول ، وفي عدة واحدة ، فساهم بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اللهم اقض بينهما }" انتهى .

وقال : تفرد به أبو مصعب انتهى . ورواه أبو داود في " مراسيله " حدثنا قتيبة بن سعيد عن ليث بن سعد ثنا بكير بن عبد الله بن الأشج أنه سمع [ ص: 173 ] سعيد بن المسيب ، قال : { اختصم رجلان } ، الحديث ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه في البيوع " أيضا مرسلا ، أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي عن عبد الرحمن بن الحارث عن ابن المسيب ، فذكره ، وبه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الشهود إذا استووا أقرع بين الخصمين }انتهى .

ومن جهته ذكره عبد الحق في " أحكامه " وقال : هذا مرسل وضعيف ، قال : إن إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي متروك انتهى كلامه . قال المصنف : وحديث القرع كان في ابتداء الإسلام ، ثم نسخ قلت : بينه الطحاوي .

الحديث الثاني : روى تميم بن طرفة { أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناقة ، [ ص: 174 ] وأقام كل واحد منهما البينة ، فقضى بها بينهما نصفين }قلت : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن تميم بن طرفة { أن رجلين ادعيا بعيرا ، فأقام كل واحد منهما البينة أنه له فقضى النبي صلى الله عليه وسلم به بينهما }انتهى . ذكره في أثناء " البيوع " ، وفي أواخر " الحدود " ورواه عبد الرزاق أيضا في " مصنفه في البيوع " أخبرنا [ ص: 175 ] الثوري ، وإسرائيل عن سماك به ، ورواه البيهقي في كتاب المعرفة " عن الحاكم بسنده عن أبي عوانة ثنا سماك بن حرب به ، وقال : هذا منقطع انتهى .

وعزاه شيخنا علاء الدين لمراسيل أبي داود ، ووهم من ذلك ، وليس عند أبي داود لتميم بن طرفة إلا حديث واحد في " الجهاد " ، وقد تقدم في حديث : إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء ، وهو من أوهامه التي استبد بها . أحاديث الباب : فيه أحاديث مسندة عن أبي موسى وأبي هريرة ، وجابر بن سمرة . فحديث أبي موسى : أخرجه أبو داود ، عن همام عن قتادة به ، وكذلك رواه أحمد [ ص: 176 ] في " مسنده " ، والحاكم في " المستدرك في الأحكام " ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه انتهى .

وقال المنذري : إسناده كلهم ثقات ، ولفظهم عن همام عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده أبي موسى الأشعري { أن رجلين ادعيا بعيرا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبعث كل واحد منهما شاهدين ، فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين }انتهى .

واعلم أن هنا حديثا آخر أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به { أن رجلين ادعيا بعيرا ، أو دابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليست لواحد منهما بينة ، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما }انتهى .

وهذا المتن مخالف للمتن الأول ، فإنه في الأول أقام [ ص: 177 ] كل واحد منهما البينة . وفي الثاني لم يقم أحد منهما بينة ، والأول هو حديث الكتاب دون الثاني ، قال المنذري في " حواشيه " : قيل : يحتمل أن تكون القصة واحدة ، وقيل : يحتمل أن يكونا واقعتين انتهى .

ولقوة اشتباههما في السند والمتن جعلهما ابن عساكر في " أطرافه " حديثا واحدا ، وعزاه للثلاثة ، وأخطأ في ذلك ، فإن النسائي ، وابن ماجه لم يخرجا الأول أعني حديث : أقاما البينة لم يخرجا إلا حديث : ليس لأحدهما بينة . وأما حديث أبي هريرة : فرواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " ، ومن طريقه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والثلاثين ، من القسم الخامس ، أخبرنا عبد الصمد ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن [ ص: 178 ] أبي هريرة { أن رجلين ادعيا دابة ، فأقام كل واحد منهما شاهدين ، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين }انتهى .

وأما حديث جابر بن سمرة : فرواه الطبراني في " معجمه " حدثنا إبراهيم بن محمد بن عوف الحمصي ثنا محمد بن مصفى حدثنا سويد بن عبد العزيز عن الحجاج بن أرطاة عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة { أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعير ، فأقام كل واحد منهما شاهدين بأنه له ، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما }انتهى .

حدثنا أحمد بن سليمان بن يوسف العقيلي الأصبهاني حدثني أبي ثنا الحسين بن حفص عن ياسين الزيات عن سماك به ، نحوه سواء . [ ص: 179 ] أثر آخر : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا وكيع ثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : جاء رجلان يختصمان إلى أبي الدرداء في فرس ، أقام كل واحد البينة أنها نتجت عنده ، فقضى به بينهما نصفين ، ثم قال : ما أحوجكما إلى مثل سلسلة بني إسرائيل ، كانت تنزل فتأخذ عنق الظالم انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية