نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 201 - 203 ] ( وسؤر الهرة طاهر مكروه ) وعن أبي يوسف رحمه الله أنه غير مكروه ; لأن { النبي عليه الصلاة والسلام كان يصغي لها الإناء فتشرب منه ثم يتوضأ به } [ ص: 204 ] ولهما : قوله عليه الصلاة والسلام { الهرة سبع }والمراد : بيان الحكم دون الخلقة والصورة . [ ص: 205 - 207 ] إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطوف فبقيت الكراهة ، وما رواه محمول على ما قبل التحريم ، ثم قيل : كراهته لحرمة اللحم ، وقيل : لعدم تحاميها النجاسة ، وهذا يشير إلى التنزه ، والأول إلى القرب من التحريم ، ولو أكلت فأرة ثم شربت على فوره الماء تنجس ، إلا إذا مكثت ساعة لغسلها فمها بلعابها ، والاستثناء على مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ، ويسقط اعتبار الصب للضرورة .


الحديث السادس والأربعون : روي عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصغي للهرة الإناء فتشرب منه ، ثم يتوضأ به } ، قلت : رواه الدارقطني في " سننه " من طريقين عن عائشة :

أحدهما : عن يعقوب بن إبراهيم الأنصاري عن عبد ربه بن سعيد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر به الهرة فيصغي لها الإناء فتشرب ، ثم يتوضأ بفضلها }انتهى .

قال : ويعقوب هذا ، هو " أبو يوسف القاضي " وعبد ربه هو " عبد الله بن سعيد المقبري " وهو ضعيف ، انتهى .

الطريق الثاني : عن محمد بن عمر الواقدي ثنا عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن عروة عن عائشة عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصغي إلى الهرة الإناء حتى تشرب منه ، ثم يتوضأ بفضلها }انتهى .

والواقدي فيه مقال ، وله طريق آخر عند الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا علي بن معبد ثنا خالد بن عمرو الخراساني ثنا صالح بن حيان ثنا عروة بن الزبير عن عائشة ، فذكره ، ورواه أبو داود بمعناه من حديث داود بن صالح التمار عن أمه : { أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة فوجدتها تصلي ، فأشارت إلى أن ضعيها ، فجاءت هرة ، فأكلت منها فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة ، فقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها }انتهى .

ورواه الدارقطني ، وقال : تفرد به عبد العزيز الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذه الألفاظ انتهى .

وروى ابن ماجه . والدارقطني من حديث حارثة عن عمرة عن { عائشة ، قالت : كنت أتوضأ أنا [ ص: 204 ] ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد قد أصابت منه الهرة قبل ذلك }انتهى . قال الدارقطني : وحارثة لا بأس به انتهى .

ومن أحاديث الباب ، ما رواه الطبراني في " معجمه الصغير " حدثنا عبد الله بن محمد بن الحسن بن أسيد الأصبهاني ثنا جعفر بن عنبسة الكوفي ثنا عمر بن حفص المكي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أنس بن مالك ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض بالمدينة ، يقال لها : بطحان ، فقال : يا أنس اسكب لي وضوءا فسكبت له ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته أقبل إلى الإناء ، وقد أتى هر فولغ في الإناء ، فوقف له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفة حتى شرب الهر ، ثم سألته فقال : يا أنس إن الهر من متاع البيت لن يقذر شيئا ، ولن ينجسه }انتهى .

{ حديث آخر } : وهو حديث كبشة بنت كعب بن مالك ، وسيأتي قريبا .

{ حديث آخر } : أخرجه ابن خزيمة في صحيحه " عن سليمان بن مسافع بن شيبة الحجبي ، قال : سمعت منصور بن صفية بنت شيبة يحدث عن أمه صفية عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إنها ليست بنجس ، هي كبعض أهل البيت يعني الهرة }" انتهى .

ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . ورواه الدارقطني في " سننه " ولفظه فيه : { هي كبعض متاع البيت } ، قال في " الإمام " : والحجبي " بحاء مهملة . وجيم مفتوحتين " نسبته إلى حجابة البيت .

الحديث السابع والأربعون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { الهرة سبع }قلت : رواه الحاكم في " المستدرك " من حديث عيسى بن المسيب ثنا أبو زرعة عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { السنور سبع }انتهى .

قال الحاكم : حديث صحيح ، ولم يخرجاه ، وعيسى هذا تفرد عن أبي زرعة ، إلا أنه صدوق ، ولم يجرح قط انتهى . [ ص: 205 ] وتعقبه الذهبي في " مختصره " وقال : ضعفه أبو داود ، وأبو حاتم انتهى .

وقال ابن أبي حاتم في " علله " : قال : أبو زرعة لم يرفعه أبو نعيم ، وهو أصح ، وعيسى ليس بالقوي انتهى .

ورواه الدارقطني في " سننه " بقصة فيه عن أبي النصر عن عيسى بن المسيب ، قال : حدثني أبو زرعة عن أبي هريرة قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الأنصار ، ودونهم دار ، فشق ذلك عليهم ، فقالوا : يا رسول الله تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : لأن في داركم كلبا ، قالوا : فإن في دارهم سنورا . فقال عليه السلام : السنور سبع }انتهى .

ثم أخرجه مختصرا من جهة وكيع . ومحمد بن ربيعة ، كلاهما عن سعيد بن المسيب عن أبي زرعة عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { السنور سبع } ، وقال وكيع : { الهر سبع }انتهى .

ورواه أحمد . وابن أبي شيبة . وإسحاق بن راهويه في " مسانيدهم " عن وكيع به ، بلفظ : { الهر سبع } ، وأخرجه العقيلي في " كتاب الضعفاء " عن عيسى بن المسيب به ، وضعف عيسى عن يحيى بن معين ، وقال : لا يتابعه إلا من هو مثله أو دونه انتهى .

( أحاديث الباب ) : روى الطحاوي في " شرح الآثار " من حديث قرة بن خالد ثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يغسل الإناء من ولوغ الهرة مرة أو مرتين }انتهى .

قال : إسناده صحيح متصل ثم أخرجه عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة موقوفا ، قال : وهذا لا يقدح في رفعه ; لأن قرة أضبط وأثبت ، وأيضا فإن أبا هريرة لم يكن يحدث عن نفسه ، ثم أسند إلى محمد بن سيرين أنه كان إذا حدث عن أبي هريرة ، فقيل له : أهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيقول : كل حديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه روي عنه موقوفا من طريق آخر ، ثم أخرجه عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة ، قال : يغسل الإناء من سؤر الهرة ، كما يغسل من سؤر الكلب انتهى .

وهذا رواه الدارقطني في " سننه " مرفوعا وموقوفا : قال صاحب " التنقيح " : وهذا لا يصح عن أبي صالح مرفوعا ، والصحيح وقفه على أبي هريرة [ ص: 206 ] انتهى .

{ حديث آخر } رواه الترمذي في " كتابه " حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ثنا المعتمر بن سليمان سمعت أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات ، وإذا ولغت الهرة غسل مرة }انتهى . وقال : حديث حسن صحيح .

وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ولوغ الهر . انتهى . قال ابن الجوزي في " التحقيق " : والسوار قال فيه سفيان الثوري : ليس بشيء ، قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : وهذا وهم فاحش ، فإن سوارا هذا شيخ الترمذي ، هو " سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله بن قدامة " مات سنة خمس وأربعين ومائتين ، وروى عنه أبو داود والنسائي وخلق ، وقال النسائي : ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وسوار الذي جرحه سفيان ، هو " سوار بن عبد الله بن قدامة " متقدم الطبقة انتهى .

وأخذ صاحب " التنقيح " هذا الكلام برمته ، فنقله في " كتابه " متعقبا على ابن الجوزي من غير أن يعزوه لقائله ، والله أعلم .

قال في " التنقيح " : وعلة الحديث أن مسددا رواه عن معتمر ، فوقفه ، رواه عنه أبو داود ، قال في " الإمام " : والذي تلخص أنه مختلف في رفعه ، واعتمد الترمذي في تصحيحه على عدالة الرجال عنده ، ولم يلتفت لوقف من وقفه ، والله أعلم .

أحاديث طهارة سؤر السباع ، واستدل ابن الجوزي للشافعية على ذلك بحديثين : أحدهما : أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة ، قال : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي بين مكة والمدينة ، فقيل له : إن الكلاب والسباع ترد عليها ، فقال : لها ما أخذت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور }انتهى .

وهو معلول بعبد الرحمن ويلزمهم القول بطهارة سؤر الكلب أيضا .

الحديث الثاني : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن داود بن الحصين عن أبيه عن جابر ، { قيل : يا رسول الله أنتوضأ بماء أفضلت الحمر ؟ قال : نعم ، وبماء أفضلت السباع } ، وداود بن الحصين وإن كان أخرجا له في " الصحيحين " ، وروى عنه مالك فقد ضعفه ابن حبان . [ ص: 207 ]

الحديث الثامن والأربعون : حديث الطوف المعلل به طهارة الهر ، قلت : رواه [ ص: 208 ] أصحاب السنن الأربعة من طريق مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة هكذا " في الموطأ " عن خالتها كبشة ابنة كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة { أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا ، فجاءت هرة تشرب ، فأصغى لها الإناء حتى شربت ، قالت كبشة : فرآني أنظر إليه ، فقال : أتعجبين يا ابنة أخي ؟ فقلت : نعم . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنها ليست بنجس إنها هي من الطوافين عليكم ، أو الطوافات }انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وهو أحسن شيء في الباب ، وقد جوده مالك ، ولم يأت به أحد أتم منه انتهى .

ورواه مالك ، في " الموطأ " كما تراه سواء ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والستين ، من القسم الثالث . ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : وقد صحح مالك هذا الحديث ، واحتج به في " موطئه " وقد شهد البخاري ومسلم لمالك أنه الحكم في حديث المدنيين ، فوجب الرجوع إلى هذا الحديث في طهارة الهرة انتهى .

قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : ورواه ابن خزيمة . وابن منده في " صحيحيهما " ولكن ابن منده ، قال : وحميدة . وخالتها كبشة لا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث ، ومحلهما محل الجهالة ، ولا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه ، قال الشيخ : وإذا لم يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث ، فلعل طريق من صححه أن يكون اعتمد على إخراج مالك لروايتهما مع شهرته بالتثبت ، انتهى .

قال المنذري في " مختصره " : قوله : { ليست بنجس }" بفتح الجيم " وهو كل ما يستقذر ، قال تعالى : { إنما المشركون نجس } ، وروي : { أو الطوافات }" بأو " وروي : بالواو ، كلاهما عن مالك انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية