الخامس : إذا
أراد رواية ما سمعه على معناه دون لفظه :
فإن لم يكن عالما عارفا بالألفاظ ومقاصدها ، خبيرا بما يحيل معانيها ، بصيرا بمقادير التفاوت بينها ، فلا خلاف أنه لا يجوز له ذلك ، وعليه أن لا يروي ما سمعه إلا على اللفظ الذي سمعه من غير تغيير .
[ ص: 214 ] فأما إذا كان عالما عارفا بذلك ، فهذا مما اختلف فيه السلف ، وأصحاب الحديث ، وأرباب الفقه ، والأصول ، فجوزه أكثرهم ، ولم يجوزه بعض المحدثين ، وطائفة من الفقهاء ، والأصوليين من الشافعيين ، وغيرهم .
ومنعه بعضهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأجازه في غيره .
والأصح : جواز ذلك في الجميع ، إذا كان عالما بما وصفناه قاطعا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه ; لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة ، والسلف الأولين ، وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة ، وما ذلك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ .
ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا - ولا أجراه الناس فيما نعلم - فيما تضمنته بطون الكتب ، فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ، ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه ، فإن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص ، لما كان عليهم في ضبط الألفاظ ، والجمود عليها من الحرج والنصب ، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق ، والكتب ، ولأنه إن ملك تغيير اللفظ ، فليس يملك تغيير تصنيف غيره ، والله أعلم .