وأما
السن الذي إذا بلغه المحدث انبغى له الإمساك عن التحديث فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف ، ويخاف عليه فيه أن يخلط ، ويروي ما ليس من حديثه ، والناس في بلوغ هذه السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم ، وهكذا إذا عمي ، وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه ، فليمسك عن الرواية .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13122ابن خلاد : أعجب إلي أن يمسك في الثمانين ، لأنه حد الهرم ، فإن كان عقله ثابتا ، ورأيه مجتمعا ، يعرف حديثه ، ويقوم به ، وتحرى أن يحدث احتسابا رجوت له خيرا .
ووجه ما قاله أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب ، وخيف عليه الاختلال ، والإخلال ، أو أن لا يفطن له إلا بعد أن يخلط ، كما اتفق لغير واحد من الثقات ، منهم
عبد الرزاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=12514وسعيد بن أبي عروبة .
[ ص: 239 ] وقد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن ، فساعدهم التوفيق ، وصحبتهم السلامة ، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=31وسهل بن سعد ،
nindex.php?page=showalam&ids=51وعبد الله بن أبي أوفى من الصحابة ،
ومالك ،
والليث ،
وابن عيينة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16598وعلي بن الجعد ، في عدد جم من المتقدمين ، والمتأخرين . وفيهم غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة ، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=14120الحسن بن عرفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13890وأبو القاسم البغوي ،
وأبو إسحاق الهجيمي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب الطبري رضي الله عنهم أجمعين ، والله أعلم .
ثم إنه لا ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك .
[ و ] كان
إبراهيم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم
إبراهيم بشيء ، وزاد بعضهم فكره الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه ، لسنه ، أو لغير ذلك .
روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين ، قال : " إذا حدثت في بلد فيه مثل
أبي مسهر فيجب للحيتي أن تحلق " . وعنه أيضا : " إن الذي
يحدث بالبلدة - وفيها من هو أولى بالتحديث منه - فهو أحمق " .
وينبغي للمحدث - إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره ، في بلده ، أو غيره ، بإسناد أعلى من إسناده ، أو أرجح من وجه آخر - أن يعلم الطالب به ، ويرشده إليه ، فإن الدين النصيحة .
ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فيه ، فإنه يرجى له حصول النية من بعد .
روينا عن
معمر ، قال : كان يقال : " إن الرجل ليطلب العلم لغير الله ، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله
[ ص: 240 ] عز وجل " .
وليكن حريصا على نشره مبتغيا جزيل أجره ، وقد كان في السلف رضي الله عنهم من يتألف الناس على حديثه ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير رضي الله عنهما ، ( والله أعلم ) .