[ ص: 73 ] النوع الثاني عشر :
معرفة التدليس وحكم المدلس
التدليس قسمان :
أحدهما : تدليس الإسناد ، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه ، موهما أنه سمعه منه ، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه ، ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر .
ومن شأنه أن لا يقول في ذلك : ( أخبرنا فلان ) ولا ( حدثنا ) وما أشبههما ، وإنما يقول : ( قال فلان أو عن فلان ) ونحو ذلك .
[ ص: 74 ] مثال ذلك : " ما روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16616علي بن خشرم قال : كنا عند
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، فقال : "
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري " ، فقيل له : " حدثكم
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ؟ " فسكت ، ثم قال : "
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري " ، فقيل له : " سمعته من
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ؟ " فقال : " لا ، لم أسمعه من
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، ولا ممن سمعه من
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، حدثني
عبد الرزاق ، عن
معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري " .
القسم الثاني :
تدليس الشيوخ ، وهو : أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه ، فيسميه أو يكنيه ، أو ينسبه ، أو يصفه بما لا يعرف به ، كي لا يعرف .
مثاله : ما روي لنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=13492أبي بكر بن مجاهد الإمام المقرئ : أنه روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11939أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني فقال : حدثنا
عبد الله بن أبي عبد الله ، وروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=15426أبي بكر محمد بن الحسن النقاش المفسر المقرئ ، فقال : " حدثنا
محمد بن سند " ، نسبه إلى جد له ، والله أعلم .
أما القسم الأول : فمكروه جدا ، ذمه أكثر العلماء ، وكان
شعبة من أشدهم ذما له . فروينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الإمام ( رضي الله عنه ) عنه - أنه قال : " التدليس أخو الكذب " . وروينا عنه أنه قال : " لأن
[ ص: 75 ] أزني أحب إلي من أن أدلس " . وهذا من
شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير .
ثم اختلفوا في قبول
رواية من عرف بهذا التدليس فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك ، وقالوا : لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم يبين .
والصحيح التفصيل ، وأن ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه ، وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو ( سمعت ، وحدثنا ، وأخبرنا ) وأشباهها فهو مقبول محتج به .
وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا :
كقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ، والسفيانين ،
وهشام بن بشير ، وغيرهم .
وهذا لأن التدليس ليس كذبا ، وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل .
والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين قد أجراه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه فيمن عرفناه دلس مرة ، والله أعلم .
[ ص: 76 ] وأما القسم الثاني : فأمره أخف ، وفيه تضييع للمروي عنه ، وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته .
ويختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه ، فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غير سمته غير ثقة ، أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه ، أو كونه أصغر سنا من الراوي عنه ، أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب الإكثار من ذكر شخص واحد على صورة واحدة .
وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب أبو بكر ، فقد كان لهجا به في تصانيفه ، والله أعلم .