إذا وجد في مديه وهي ثلاثون ( سم ) شهرا ، ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا أخت ابنه وأم أخته ، وإذا أرضعت المرأة صبية حرمت على زوجها وآبائه وأبنائه ، وإذا رضع صبيان من ثدي امرأة فهما أخوان ، وإن اجتمعا على لبن شاة فلا رضاع بينهما ، وإذا اختلط اللبن بخلاف جنسه كالماء والدهن والنبيذ والدواء ولبن البهائم فالحكم للغالب ، وكذلك إن اختلط بجنسه بأن اختلط لبن امرأتين ( م ز ) ، وإن اختلط بالطعام فلا حكم له ، وإن غلب ( سم ) ، وتتعلق الحرمة بلبن المرأة بعد موتها ، وكذلك تتعلق بلبن البكر ، ولا تتعلق بلبن الرجل ولا بالاحتقان وتتعلق بالاستعاط والإيجار ، وإذا أرضعت امرأته الكبيرة امرأته الصغيرة حرمتا على الزوج ، ولا مهر للكبيرة إن كان قبل الدخول ، وللصغيرة نصف المهر ، ويرجع به على الكبيرة إن كانت تعمدت الفساد ، والقول قولها في التعمد مع يمينها .
قال : ( إذا وجد في مدته وهي ثلاثون شهرا ، وقالا : سنتان لقوله - تعالى - : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) ، [ ص: 157 ] وقال - تعالى - : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) ، وأدنى مدة الحمل ستة أشهر فبقي للفصال سنتان . ولأبي حنيفة الآية الثانية ، والتمسك بها أن الله - تعالى - ذكر الحمل والفصال وضرب لهما مدة ثلاثين شهرا فتكون مدة لكل واحد منهما ، كما إذا باعه عبدا وأمة إلى شهر ، فإن الشهر يكون أجلا لكل واحد منهما ، وكذا لو باعه شيئا وأجره شيئا آخر صفقة واحدة إلى مدة معلومة كانت المدة أجلا لكل واحد منهما ، فعلم أن الآية تقتضي أن يكون الثلاثون شهرا أجلا لكل واحد من الحمل والفصال ، خرج الحمل عن ذلك فبقي الفصال على مقتضاه ، والآية الأولى محمولة على مدة الاستحقاق حتى لا يكون للأم المبتوتة المطالبة بأجرة الرضاع بعد الحولين فعملنا بالآية الأولى في نفي الأجرة بعد الحولين ، وبالثانية في الحرمة إلى ثلاثين شهرا أخذا بالاحتياط فيهما . أو نقول : المراد الحمل على الأكف في الحجر حالة الإرضاع ; لأن مدة الحمل غير مقدرة بثلاثين شهرا بالإجماع .
فإذا انقضت مدته لا اعتبار بالرضاع بعده ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا رضاع بعد الفصال " ، والمراد حكمه وهل يباح الإرضاع بعد المدة ؟ فيه خلاف ، والمحرم من الإرضاع ما وقع في المدة ، سواء فطم أو لم يفطم . وقال الخصاف وهو رواية عن أبي حنيفة : إن استغنى بالفطام عن اللبن ثم رضع في المدة لا تثبت الحرمة ، وإن لم يستغن تثبت .
قال : ( ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) لما روينا ( إلا أخت ابنه وأم أخته ) فإنها تحرم من النسب دون الرضاع ; لأن في النسب لما وطئ أم ابنه فقد حرمت عليه بناتها . وأم أخته موطوءة أبيه ولم يوجد ذلك في الرضاع .
قال : ( وإذا رضع صبيان من ثدي امرأة فهما أخوان ) لأن أمهما واحدة ، فلو كانا بنتين لا يجوز لأحد الجمع بينهما ، وكذا لو كان لرجل زوجتان ولدتا منه ثم أرضعت كل واحدة صغيرة صار الرضيعان أخوين من أب .
( وإن اجتمعا على لبن شاة فلا رضاع بينهما ) ; لأنه لم تثبت الحرمة بينه وبين الأم لتنتقل إلى الأخ إذ هي الأصل لأن الحرمة تثبت وفي الأم ثم تتعدى .
رجل طلق امرأته ولها لبن فتزوجت آخر وحبلت ونزل لها لبن فهو للأول ما لم تلد . وقال أبو يوسف : هو منهما إلا أن يعرف أنه من الثاني وإنه يعرف بالغلظ والرقة . وقال محمد : هو منهما ما لم تضع فإذا وضعت فمن الثاني لأنه من الأول بيقين ، واحتمل كونه من الثاني فيجعل منهما احتياطا للمحرمات ، وكذلك يقول أبو يوسف إلا إذا عرفنا أنه من الثاني فيجعل منه .
وأبو حنيفة يقول : هو من الأول بيقين ، ووقع الشك في كونه من الثاني ، والشك لا يعارض اليقين ، فإذا ولدت تيقنا أنه من الثاني ، ولا اعتبار بالغلظ والرقة ; لأن ذلك يتغير بتغير الأحوال والأغذية .
قال : ( وإذا اختلط اللبن بخلاف جنسه كالماء والدهن والنبيذ والدواء ولبن البهائم فالحكم للغالب ) فإن غلب اللبن تثبت الحرمة ، وإلا فلا ( وكذلك إن اختلط بجنسه بأن اختلط [ ص: 159 ] لبن امرأتين ) ، وقال محمد وزفر : تثبت الحرمة بهما لأن الشيء لا يصير مستهلكا بجنسه بل يتقوى به ، وكل واحد منهما سبب لإنبات اللحم وإنشاز العظم . ولنا أن منفعة المغلوب لا تظهر في مقابلة الغالب ، فإن قليل الماء إذا وقع في البحر لا يبقى لأجزائه منفعة لكثرة التفرق ، وإذا فاتت المنفعة بسبب الغلبة بقي حكم الرضاع للكثير .
( وإن اختلط بالطعام فلا حكم له وإن غلب ) ، وقالا : إن غلب تعلق به التحريم ، والخلاف في غير المطبوخ . أما المطبوخ لا تثبت به الحرمة بالإجماع . لهما أن حكم المغلوب لا يظهر في مقابلة الغالب فصار الحكم للبن وله أن الطعام يسلب قوة اللبن ، ولا يكتفي الصبي بشربه ، والتغذي يحصل بالطعام إذ هو الأصل فكان اللبن تبعا ، بخلاف الدواء لأنه يقوي اللبن ويزيد في قوته .
( ولا تتعلق بلبن الرجل ) لو نزل له لأنه ليس بلبن حقيقة ; لأن اللبن لا يكون إلا ممن يتصور منه الولادة كذا قالوا .
قال : ( ولا بالاحتقان ) ; لأنه لا يصل إلى المعدة فلا يحصل به النشو والنشوز وكذا إذا أقطر في إحليله أو أذنه أو جائفة أو آمة لما قلنا . وعن محمد أن الاحتقان تثبت به الحرمة قياسا على فساد الصوم . والفرق أن المفسد في الصوم التغذي أو التداوي وأنه حاصل بالاحتقان . أما الرضاع إنما يثبت بمعنى النشو وأنه معدوم في الاحتقان .
[ ص: 160 ] قال : ( وإذا أرضعت امرأته الكبيرة امرأته الصغيرة حرمتا على الزوج ) ; لأنهما صارتا أما وبنتا ، والرضاع الطارئ على النكاح كالمقارن في التحريم كحرمة المصاهرة ; لأنه لا بقاء للشيء مع المنافي ( ولا مهر للكبيرة إن كان قبل الدخول ) ; لأن الفرقة جاءت من قبلها ( وللصغيرة نصف المهر ) ; لأن الفرقة ليست من قبلها ، ولا اعتبار باختيارها الإرضاع ; لأنها مجبولة عليه طبعا ( ويرجع به على الكبيرة إن كانت تعمدت الفساد ) ; لأنها مسببة للفرقة ; لأن إلقاء الثدي في فمها سبب لوصول اللبن إلى جوفها ، والتسبيب يشترط فيه التعدي كحافر البئر ، وإن لم تتعمد الفساد فلا شيء عليها وإن علمت أنها زوجته لما بينا أنها مسببة ، والتعدي يثبت إذا علمت أنها زوجته وقصدت وقوع الفرقة بينهما ، ولو لم تعلم بالنكاح فلا شيء عليها ، وكذلك إن علمت بالنكاح لكن قصدت بالإرضاع دفع الجوع والهلاك عنها ; لأنها مأمورة بذلك ، وكذلك لو علمت بالنكاح دون الفساد لا تكون متعدية ( والقول قولها في التعمد مع يمينها ) ; لأنها تنكر الضمان ، ولو أرضعت زوجة الأب امرأة ابنه تحرم عليه ; لأنها صارت أخته من الأب . تزوج صغيرتين فأرضعتهما معا أو متعاقبا حرمتا عليه ، وعليه لكل واحدة نصف المهر ; لأنها مجبورة على الإرضاع بحكم الطبع ، ويرجع على المرضعة إن تعمدت الفساد على الوجه الذي بينا ; وإن كن ثلاثا فأرضعتهن على التعاقب حرمت الأولى والثانية دون الثالثة ; لأنها لما صارت أختا لهما لم يبق الجمع في النكاح ; وإن أرضعتهن معا ، بأن ألقت ثديها في فم اثنتين وكانت حلبت قبل ذلك فأوجرت الثالثة واتفق وصول اللبن إليهن معا حرمن جميعا ، وعلى هذا تخرج جميع مسائل هذا الجنس ، والله أعلم .