الفصل الثالث : في المستثنيات من أجناسها .
وتقدم قبل ذلك قاعدة ، وهي أن كل مأمور يشق على العباد فعله سقط الأمر به ، وكل منهي شق عليهم اجتنابه سقط النهي عنه .
والمشاق ثلاثة أقسام : مشقة في المرتبة العليا ، فيعفى عنها إجماعا كما لو كانت طهارة الحدث ، أو الخبث تذهب النفس ، أو الأعضاء .
ومشقة في المرتبة الدنيا ، فلا يعفى عنها إجماعا كطهارة الحدث والخبث بالماء البارد في الشتاء .
ومشقة مترددة بين المرتبتين ، فمختلف في إلحاقها بالمرتبة العليا ، فتؤثر في
[ ص: 197 ] الإسقاط ، أو بالمرتبة الدنيا فلا تؤثر ، وعلى هذه القاعدة يتخرج الخلاف في فروع هذا الفصل نظرا إلى أن هذه النجاسة هل يشق اجتنابها أم لا .
وفي هذا الفصل تسع عشرة صورة .
الصورة الأولى : قال في الكتاب : إذا
رأى في ثوبه يسيرا من الدم ، وهو في الصلاة مضى على صلاته كان دم حيض ، أو غيره ، وإن نزعه فلا بأس .
من الطراز : قال
ابن حبيب : وإن رآه قبل الدخول في الصلاة نزعه ، وإنما الرخصة في الصلاة ، أو بعدها ، وهذا خلاف ظاهر المذهب ، وقال صاحب الغرائب إن صلى به عامدا أعاد بخلاف الساهي ، والعلة في العفو عنه تكرره لا خفاؤه .
واختلف في اليسير قال
مالك رحمه الله : قدر الدرهم قال
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم : قدر المخرج لأنه معفو عنه ، وأنكر
مالك - رحمه الله - في العتبية التحديد ، وقال
أبو طاهر : الخنصر يسير ، والخلاف فيما فوقه إلى الدرهم .
من الطراز : سوى
مالك - رحمه الله - بين الدماء في العفو في المدونة ، وألحق في المبسوط دم الحيض بالبول ، وإذا قلنا بالعفو عنه فظاهر المذهب التسوية بين إضافته للحائض ، أو لغيرها .
وقال
اللخمي : يختلف في الدم اليسير يكون في ثوب الغير ، ثم يلبسه الإنسان لإمكان الانفكاك عنه .
وإذا قلنا لا يعفى عن دم الحيض ، فدم الميتة مثله عند
ابن وهب ، ويعفى عنه عند
أبي حبيب كدم المذكاة استصحابا لحكمة قبل الموت ، وإذا قلنا يعفى عن يسير دم الميتة ، فهل يعفى عن يسير دم الخنزير على ظاهر التسوية بين الدماء في الكتاب ، أو بفرق بينه وبين دم الميتة بأنه كان معفوا عنه في حالة الحياة ، ومباح الأكل إذا لم يسفح ، وبين دم الحيض بأنه دم إنسان ، والإنسان لا يتميز عن دمه .
[ ص: 198 ] وإذا قلنا يعفى عن دم الخنزير ، والميتة ، فهل يعفى عن اليسير من لحم الميتة لأنه على حكم الدم ، أو لا يعفى عنه ، وهو الظاهر لإمكان الاحتراز منه .
الصورة الثانية من البيان :
سئل مالك - رحمه الله - عما ينسجه النصارى ، ويسقونه بالخبز المبلول ، ويحركونه بأيديهم ، وهم أهل نجاسة قال : لا بأس بذلك ، ولم يزل الناس يلبسونها قديما . قال
ابن رشد : ولا فرق في القياس بين منسوجهم وملبوسهم في الانتفاع .
الصورة الثالثة من التبصرة : قال
مالك رحمه الله : إذا
وقعت قطرة من بول أو خمر في طعام أو دهن لا ينجس إلا أن يكون قليلا ، وقاله
ابن نافع في حباب الزيت تقع فيها الفأرة .
وأمكن أن يقال : إن هذا له أصل في الشرع يرجع إليه ، فلا يكون رخصة ، وهو أن القاعدة المجمع عليها إذا تعارضت المفسدة المرجوحة ، والمصلحة الراجحة اغتفرت المفسدة في جنب المصلحة كقطع اليد المتآكلة لبقاء النفس ، ونظائر ذلك كثير في الشرع .
والنقطة النجسة مشتملة على المفسدة ، وكل نقطة من المائع مشتملة على مصلحة ، فنقطة معارضة بنقطة ، وبقية المائع سالم من المعارض ، فيكون المائع طاهرا .
فإن قيل يشكل ذلك بالقليل من المائع .
قلنا : الجواب من وجهين ، الأول : أن أعظم المفسدة في إراقة المائع الكثير أتم . الثاني : أن هذه المفسدة يندر وجودها ، فغلبت في القليل طلبا للاحتياط .
الصورة الرابعة : قال في الكتاب : لا بأس
بطين المطر ، وماء المطر المنتقع ، وفيه العذرة ، والبول ، والروث ، وما زالت الطرق كذلك ، وهم يصلون به . قال الشيخ
أبو محمد : ما لم تكن النجاسة غالبة ، أو عينا قائمة . قال
أبو طاهر : ولو كانت كذلك ، وافتقر إلى المشي فيه لم يجب غسله كثوب المرضعة .
[ ص: 199 ] الصورة الخامسة في الجواهر :
الجرح بمصل الدم ، وغيره يعفى عنه ما لم يتفاحش .
الصورة السادسة :
الدمل يسيل يعفى عنه ما لم يتفاحش .
الصورة السابعة : قال :
ثوب المرضع يعفى عن بول الصبي فيه ما لم يتفاحش قال في الكتاب : وأستحب لها ثوبا آخر لصلاتها .
الصورة الثامنة : قال :
الأحداث تستنكح ويكثر قطرها وإصابتها الثوب فيعفى عنها ما لم يتفاحش .
فرع : إذا عفي عن الأحداث في حق صاحبها عفي عنها في حق غيره لسقوط اعتبارها شرعيا ، وقيل : لا يعفى عنها في حق غيره لأن سبب العفو الضرورة ، ولم يوجد في حق الغير ، وفائدة الخلاف صلاة صاحبها بغيره إماما .
الصورة التاسعة : قال :
بول الخيل بالنسبة إلى الغازي في أرض الحرب ، وقيل مطلقا يعفى عنه ما لم يتفاحش .
الصورة العاشرة : قال :
دم على السيف ، أو المدية الصقيلين يعفى عن أثره دون عينه .
الصورة الحادية عشرة :
الخف يمشى به على أبوال الدواب ، وأرواثها يكفي فيه المسح ، وقيل الغسل .
فروع : الأول من الطراز : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : مسح الخف بالأمصار والمواضع التي تكثر فيها الدواب ، وما لا تكثر فيه الدواب لا يعفى عنه .
الثاني : من الطراز : حد المسح أن لا يخرج المسح شيئا مثل الاستجمار في خروج الحجر نقيا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : يشترط انقطاع الريح ، وليس شرطا كما في الاستنجاء .
الثالث منه أيضا : قال
ابن القاسم في النوادر :
يغسل الخف من بول الكلب ، ولا يمسح ، ويشبه أن يلحق به الدجاج المخلاة لندرتها في الطرقات .
[ ص: 200 ] الرابع منه : لو مشى بخفه على نجاسة ، ولا ماء معه ، فليخلعه ، ويتيمم لأن التيمم بدل من الوضوء ، والنجاسة لا بدل لها .
الصورة الثانية عشرة : في الجواهر :
النعل إذا مشى به على أرواث الدواب وأبوالها ، دلكه وصلى لما في
أبي داود عنه عليه السلام أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348227إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى كان التراب له طهورا . وفي رواية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348228إذا وطئ أحدكم الأذى بخفه ، فطهورها التراب . وقال
ابن حبيب : لا يجزيه لخفة النزع بخلاف الخف .
الثالثة عشرة : قال :
بول من لم يأكل الطعام يغسل على المذهب ، وقيل يستثنى ، وقيل الذكر فقط ، وقد تقدم تقريره .
الرابعة عشرة : قال : إذا
مشى برجله على نجاسة هل يجب غسلها لخفته ، أو يلحق بالنعل لتكرر ذلك ، والتفرقة للقاضي أبي بكر بن العربي ثلاثة أقوال .
الخامسة عشرة :
المرأة لما كانت مأمورة بإطالة ذيلها للستر جعل الشرع ما بعده طهورا له ; لما في الموطأ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348229عن nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف عن امرأة أنها قالت nindex.php?page=showalam&ids=54لأم سلمة إني امرأة أطيل ذيلي ، وأمشي في المكان القذر ، فقالت : قال لها النبي عليه السلام : يطهره ما بعده .
وقيل : هذا حديث مجهول لأنه عن امرأة لا تعرف حالها ، وحمله
مالك - رحمه الله - عليه في الكتاب على القشب اليابس .
والقشب بسكون الشين المعجمة هو الرجيع اليابس ، وأصله الخلط بما يفسد ، وقشب الشيء إذا خلطه بما يفسد ، وهو رجيع مخلوط بغيره .
وقال
التونسي : الأشبه أن ذلك مما لا تنفك عنه الطرق من أرواث الدواب وأبوالها ، وإن كانت رطبة كما قال
مالك في الخف ، وهذا تخريج حسن بجامع المشقة ، وهي في الثواب أعظم لأن كل أحد يمكنه نزع خفه ليجف بعد الغسل ، وليس كل أحد يجد ثوبا غير ثوبه حتى ينزعه .
[ ص: 201 ] وفي
أبي داود nindex.php?page=hadith&LINKID=10348230في امرأة من بني عبد الأشهل قالت : قلت يا رسول الله : إن لنا طريقا إلى المسجد مبنية فكيف نفعل إذا مطرنا فقال عليه السلام : أليس بعدها طريق أطيب منها ؟ قالت : بلى ، قال : فهذه بهذه .
فقيل : يطهر الخف ما بعده رطبا أو يابسا لهذه الأحاديث ، والمذهب الأول ، وهو مذهب الكتاب ، وخرج الأصحاب عليه : من مشى برجله مبلولة على نجاسة ، ثم على موضع جاف .
السادسة عشرة : قال : ودم الفم يمجه بالريق حتى يذهب لم ير طهارته بذلك في الكتاب ، وقيل : يطهر ، وقد تقدم تحريره .
السابعة عشرة : قال :
دم المحاجم على ما تقدم في الخلاف في إزالة النجاسة .
الثامنة عشرة : من الطراز :
يسير البول والعذرة يعلق بالذباب ، ثم يجلس على المحل يعفى عنه .
التاسعة عشرة : في الجواهر :
الأحداث على المخرجين معفو عن أثرها .