[ ص: 133 ] الباب الحادي عشر
فيما
ينقض من الأقضية
وفي الكتاب : إذا
قضى فيما اختلف فيه ، ثم تبين الحق في غير ما قضى به ، رجع عنه ، ولا ينقض حكم غيره في موضع الخلاف ، في التنبيهات : حمل أكثرهم الكلام على أن مذهبه في الكتاب الرجوع كيف كان ، من وهم أو انتقال رأي ، وقال
عبد الملك : إنما يرجع في الوهم والغلط لا في تغير الاجتهاد ، قال : وهو أقرب للصواب ، إذ لو صح الأول ما استقر لقاض حكم [ . . . . ] في كل وقت فلا يثق أحد بحكمه ؛ ولأن الثاني اجتهاد مثل الأول ، بخلاف ما لو [ . . . . ] ! فهذا ينقضه هو ومن بعده ، لا يختلف في هذا إذا ثبت ذلك عليه ، وقد خالف الكتاب والسنة أولا ، وهو شاذ فينقضه هو ومن بعده . وكذلك إذا
كان يلزم مذهبا معينا ويحكم بتقليده لا باجتهاده فحكم فغلط في مذهبه ، نقضه هو دون غيره ، وقيل : يحتمل أن معنى كلامه أنه إنما رجع فيما كان جورا بينا .
قال صاحب النكت : إذا
بان له أنه أخطأ فلينقض قضيته ، وإن أصاب قول قائل ، وقد فعله
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، واختصره
ابن حمديس إذا حكم بما اختلف الناس فيه فلا ينقضه ، قال
اللخمي : إذا خالف نص القرآن أو السنة أو الإجماع ينقضه هو وغيره ، وإن أراد الانتقال عن اجتهاد فأربعة أقوال ، جوزه
مطرف وعبد الملك ، وهو ظاهر المدونة ، ومنعه
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم قضى بمال أو غيره ، وجوزه
أشهب إن كان بمال بخلاف إثبات نكاح أو فسخه ، قال : وعلى هذا لا ينقضه إذا كان بإنفاذ عتق ، أو رده ، أو حد أو قتل أثبته أو أبطله ، وقيل :
[ ص: 134 ] المتروكات ليس بحكم ، بخلاف الإثبات ، قال : والأول أحسن لما في الصحيحين : قال _ صلى الله عليه وسلم _ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349672إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر ، وإن أصاب فله أجران ) فأثبت الخطأ مع الأجر ، والخطأ لا يقر عليه ، وهذا إذا تبين أنه جهل ، وأنه خارج عن الأصل الذي كان ظنه منه ، وإلا لم ينقض .
فرع : مرتب
قال
اللخمي في الواضحة : إذا
أشهد الحاكم على فسخ حكمه ، ويذكر أنه رجع عنه لأحسن منه ولا يحسن أمر فسخه له ، لا ينفسخ حتى يلخص ما يوجب فسخه إلا أن يقول : تبين لي أن الشهود زور ، وقال
عبد الملك : يكفي إشهاده على الفسخ إذا كان مأمونا لا يتهم أنه فسخه جورا . ولو قال مع الفسخ : قضيت للآخر ، لم يجز قضاؤه ، ومضي الفسخ . لا يقضي حتى يستفرغ المقضي عليه الآجال والحجج . وفي الجواهر : قسم
ابن القاسم وابن محرز حال القاضي أربعة أقسام : الأول : إن
خالف نص الكتاب أو السنة أو الإجماع ، ينقضه هو وغيره ، الثاني : أن
يقصد مذهبا فيصادف غيره سهوا ، ينقضه هو دون غيره ؛ لأن ظاهره الصحة لقول بعض العلماء به ، وغلطه لا يعرف إلا من قوله ، إلا أن تشهد بينة أنها علمت قصده إلى الحكم فوقع له غيره أيضا ، الثالث : أن
يجتهد فيظهر له الصواب في غير ما حكم به من طريق الاجتهاد أيضا ، فعند
ابن القاسم وغيره : أنه يرجع إلى ما ظهر له ، وقيل : لا يرجع لجواز تغير غيره الثاني أيضا فلا يقف عند غاية ، فهو كالمصلي يتغير اجتهاده بعد الصلاة في القبلة ، الرابع : أن يحكم بالظن والتنجيز من غير اجتهاد في الأدلة ، فينقضه هو وغيره ؛ لأنه فسق .
فرع :
قال
اللخمي : ليس للخصم نقض الحكم بأن يأتي بحجة يقول كنت نسيتها ،
[ ص: 135 ] أو يقول : استنطق خصمي عن كذا . ولا يمكن من ذلك ، عن القاضي ولا غيره ، وإلا لما انقطعت المنازعات ، فإن أحضر بينة لم يعلم بها فثلاثة أقوال : سمعه
ابن القاسم ؛ لأنها حجة ظاهرة ، وينقض الحكم ، ومنع
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون صونا للحكم عن استمرار المنازعة ، وقال
محمد : إن كان هذا القاضي نقضه ، أو غيره فلا لاحتمال مستند آخر له في الحكم ، قال : والأول أحسن إن اتفق الخصمان أن هذه البينة لمن شهدت ، أو علم ذلك ، فإن قال للطالب : ما شهدت ، وأنكر الآخر ، حلف القائم : لم تكن شهدت وعمل بموجبه ؛ لأن الأصل عدم شهادتها ، وتجريحها وردها ، فإن نكل حلف الآخر ومضى الحكم ، وإن كان في الحكم ما يقتضي أنها لم تكن شهدت ، سمعت من غير يمين بأن يقول في حجاجه : دعوته ببينة فلم يقل بها ، فإن أحضر بينة غائبة ، وكان القاضي ذكر ذلك في حكمه ، وقفه على حقه فيما شهدت به ، ونقضه القاضي الأول وغيره ، وكذلك إن ثبت أن البينة كانت غائبة حين الحكم وإن لم يشترط غيبتها .
فرع
قال
اللخمي : إن
أراد الخصم تجريح البينة لينقض الحكم وأثبت جرحها ، فعن
مالك في النقض قولان ، وأمضاه
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ، وكذلك الجواب في إثبات العداوة أو تهمة القرابة ، وينقض في إثبات كون أحدهما رقيقا عند
مالك وأصحابه ، قال : ولو أمضى لكان وجها ، وهو أولى من الفاسق للخلاف في شهادة العبد دون الفاسق ، وينقض بإثبات كون أحدهما مولى عليه في كتاب ابن
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ، وهو أبعد من العبد ، وقد قال
مالك وغيره : شهادته مقبولة ؛ لأنه حر مسلم عدل ، وتنقض بإثبات كونه نصرانيا .
[ ص: 136 ] فرع
قال : قال
عبد الملك : إذا
حد القاذف بعد الإعذار إليه ، ثم أثبت بأربعة عدول الزنى قبل القذف ، حد الزاني وسقطت عن القاذف الجرحة ، ولو كان حدا غير الزنى ، وقال به المقضي عليه بعد لم يقبل منه ؛ لأنه حق الله تعالى ، لو أقام بينة أن حاكما جلده مائة لم تسمع بينته ؛ لأنها لا توجب الآن على الشهود عليه حدا ، وكذلك لو شهد أن البينة المحكوم بها سرقت فلم تقطع ، أو شربت فلم تحد ، أو حاربت ولم يثبت مما يتعلق به إلا حق الله تعالى ، نقض الحكم قولا واحدا ، وإن كان قد أقيم عليه الحد لم ينقض على أحد القولين .
فرع
قال : إذا
كانت القضية على غائب ، ثم قدم بجرح البينة ، فقبل : ذلك له ، وقال
عبد الملك : ليس ذلك في الفسق وغيره إلا في الكفر ، أو الرق أو مولى عليهم ، قال : والأحسن والغائب على حجته ، وقد اختلف قول
مالك في الحاضر ، فالغائب أولى .
فرع
قال : إذا
حكم القاضي بشهادة بينة شهدت على شهادة غيرها ، فأنكر المنقول عنهم أن يكونوا أشهدوهم : اختلف هل يكون رجوعا منهم أو ينقض الحكم ، أو يكونون أحق شهادتهم أولى يكونون أولى أولا بعد رجوعها ، ولا ينقض الحكم ، فقال
محمد : يحد - كانت الشبهة في زنا - حد القذف ؛ لأن الفروع شهدوا عليهم بالقذف ، فجعل الإنكار رجوعا ، وعن
مالك : ينقض ، ورأي الأصل أحق بشهادته من الفرع ، وعن
ابن القاسم : يمضي الحكم ، ولا غرم على الأصل ولا على الفرع ، ولو قدم قبل الحكم بشهادة فرأى
ابن القاسم أن
[ ص: 137 ] الأمر فيه بعد الحكم مشكل ، هل يرجع ؟ أو وهم الفرع فلم ينقض الحكم ، ولا أغرم الفرع ، فعلى قوله وقول
مالك : لا يحد بشهادة الزنى الأصول ويعدوا راجعين ، وعلى قول
محمد : يغرم المنقول عنه المال ، قال : وأرى أن يرد الحكم ؛ لأنه أولى بشهادته ، ولا يغرم الفرع لأن الأمر مشكل هل صدقا أم كذبا ، فلا يغرمان بالشك ، والأمر في المنقول عنهم في الزنا أبين ؛ لأن قول الأصل والفرع في معنى التكاذب ، وقول أربعة أقوى من قول اثنين اللذان هما الفرع .
فرع
في الكتاب : لا ينقض قضاء ولاة المياه أو والي
الفسطاط أو أمير الصلاة ، أو والي الإسكندرية أو استقضى قاضيا إلا في الجور البين ، وفي التنبيهات : ولاة المياه الساكنون على المياه خلاف أهل الأمصار ، قال
ابن يونس : ولاتهم ولاة المياه الحدود في القتل ، ولا يقام القتل
بمصر كلها إلا
بالفسطاط .