الركن الثالث :
المقسم فيه ، إنما يقسم في الدماء في الأحرار ، لأنه مورد السنة
والقسامة على خلاف قاعدة الدعاوي في القسم وعدد الأيمان ، وفيها تعدد بعدد فيقتصر بها على محلها ، وفي الكتاب : لا قسامة في العبيد عمدا ولا خطأ ; لأنهم مال ،
وإن قتل عبد حرا فلولاته القسامة خمسين يمينا ويستحقون دم صاحبهم ; لأنه دم حر ، فيقتلون العبد إن شاءوا ، وإن قالوا : يحلف يمينا واحدة ويأخذ العبد يستحييه ، امتنع ; لأن دم الحر لا يستحق إلا بالقسامة أو بينة ،
[ ص: 304 ] وليس فيمن قتل بين الصفين قسامة لتعينه منهما . وإن
ضربت امرأة فألقت جنينا ميتا وقالت : دمي عند فلان ، ففيها القسامة ، ولا بد في الجنين من بينة ; لأنه كجرح فيها أو شاهد عدل يحلف ولاته معه يمينا واحدة ويستحقون ديته ، وإن
قالت : دمي عند فلان فخرج جنينها حيا واستهل ومات وعاشت الأم لم يقسم فيه ; لأنه جرح ، وإن
قالت - وهي حية - قتل ابني لم يقبل قولها ، ولا يقسم فيه وإن قالت : دمي عند أبي يقسم على قوله ،
والدية في الخطأ على عاقلته ،
وفي العمد في مال الأب . وفي التنبيهات : قوله : لا قسامة فيمن قتل بين الصفين . معناه : إذا لم يدم على أحد ، ولا شهد على من قتله ، ولا أي الصفين قتله ، وفيه الدية على الفئة المنازعة له . وفي الجلاب : فيه القسامة مطلقا لاحتمال موته بسبب يخصه . واختلف قول
ابن القاسم إذا رمي أو شهد له شاهد بقتل معين له ، أو على أحد الصفين فحملا يقتله هل فيه قسامة أم لا ؟
وما يثبت ببينة ففيه القصاص هذا بصفة العصبية والبغي المستوي في ذلك ، فإن كان أحدهما باغ والآخر مظلوم ومتأول ، والقتيل منهم ، طلب الآخرون بعقله بقسامة أو بغير قسامة على القولين المتقدمين إن لم يثبت قاتله أو قتل الصف له بعدلين ، أو من صف الباغين الراجعين فلا قصاص ولا دية ، وإن تعين قاتله ، وكذلك إن كان القاتلون متأولين أو كلا الصفين متأول ; لأنه عمل السلف في قتال البغاة . قال
ابن يونس : يضرب قاتل العبد مائة ويحبس سنة ، وإن نكل حلف سيد العبد يمينا ( واحدة ، فإن
قال العبد : دمي عند فلان : قال
أشهب : يحلف خمسين يمينا
[ ص: 305 ] ويضرب ويحبس سنة ويبرأ ; لأن الحر ادعى القتل عليه ، فإن نكل حلف سيد العبد يمينا ) واستحق قيمته مع الضرب والحبس ; لأنه لو ادعاه حر على عبد كانت فيه القسامة ، وإنما تركت لأنه عبد ، ورواه عن
مالك . وقال
ابن القاسم : يحلف المدعى عليه يمينا واحدة ولا قيمة ولا ضرب ولا سجن ، فإن حلف غرم القيمة وضرب مائة وحبس سنة ، وعن
ابن القاسم :
لا قسامة في قتيل الصفين وإن شهد شاهد على قتله أو إقراره ، ويرجع إلى القتل بالقسامة ، وإن
كان القتيل أو الجريح من غير الفريقين ، فعقله عليهما ولا قسامة ولا قود إلا أن يثبت عند أحد بعينه ( وقول
مالك ) : لا قسامة في هذا ، يريد بدعوى الأولياء أن فلانا قتله ( أما بقول الميت أو قيام شاهد أن فلانا قتله ) ففيه القسامة ، وإن
شهد شاهد أن فلانا جرحه ثم مات بعد أيام ، ففيه القسامة ، قال
مالك في
جماعة ضربوا رجلا ثم افترقوا وبه موضحة لا يدري أيهم شجه فالعقل على جميعهم ، وإن ثبت أن أحدهم جرحه اقتص منه بعد حلفه ; لأنه يتهم أن ينكر الفاعل ليلزم العقل ، وقوله في الجنين : لا قسامة ، يريد : ويحلف من يرث العدة كل واحد منهم يمينا أنه قتله ، ويستحقون العدة في مال الضارب ، وإذا خرج حيا وقالت : دمي عند فلان : لا قسامة فيه ; لأن المضروب غيره ، ولأنها تجر سبها لنفسها أو إلى زوجها إن كان أبوه ، أو إخوته إن كانوا أولادها ، ولأنها لو
قالت : قتلني وقتل فلانا معي ، لم يكن في فلان قسامة عند
ابن القاسم . وقال
أشهب : يقسم ولاته بشهادتها ما لم تشهد من يرثها لأنه يرى شهادة المرأة لوثا بخلاف
ابن القاسم . ولو
قال : أضجعني أبي فذبحني أو بقر بطني فيقسم مع قوله ويقتل الأب أو يعفون عنه ، قاله
ابن القاسم ، وقال
أشهب : لا يقتل والد بالقسامة بل المال لأنه يقتل عشرة بواحد بالبينة دون القسامة .
[ ص: 306 ] قال
اللخمي : القتيل من الصفين أربعة : قصاص ، وهدر ، ودية ، ومختلف فيه ، هل القصاص أو الدية ؟ ففي المتأولين هدر ، وفي الباغين قصاص إن عرف القاتل ، وفيمن يكون بين القبائل دم الراجفة هدر ، والدافعة عن نفسها قصاص ، وفي الباغين إذا لم يثبت القتل إلا بشاهد على القتل ، أو على قول القتيل : قتلني فلان ، أو وجدوه قتيلا هل القصاص بالقسامة أو الدية على المنازعة من غير قسامة ؟ خلاف .
فرع
في الكتاب : إن
مات تحت الضرب أو بقي مغمورا لم يأكل ، ولم يتكلم ، ولم يفق حتى مات لم يقسم فيه ; لعدم التعين ، فإن عاش حياة بينة ثم مات ففيه القسامة ، إذ لعله مات بغير الضرب ، وكذلك إن مكث يوما فتكلم ، ولم يأكل ولم يشرب ، أو قطع فخذه فعاش يومه وأكل وشرب ومات آخر النهار ، أقسم عليه ; فإن شق حشوته ، وأكل وأقام ثلاثة أيام ، قتل بغير قسامة لتعين إنفاذ المقتل . قال
ابن يونس من سماع
ابن القاسم :
بينه وبين رجل قتال ، فأتي وبه جرح ، فقال : فلان وفلان فعلا بي هذا ، وقد أترث فيها في مواضع : يسجنان حتى يكشف أمرهما ، والصلح في هذا أحب إلي ، قال
ابن القاسم : إن جرح ثم ضربته دابة فمات لا يدري عن أيهما : كان نصف الدية على عاقلة الجارح قبل القسامة ، وكيف يقسم في نصف الدية ، وعنه : يقسمون : لمات من جرح الجارح كمرض المجروح . قال
محمد : إن طرحه على موضع بعد جرح الأول أقسموا على أيهما شاءوا ، على الجارح أو الطارح ، وقتلوه وضرب الآخر مائة وحبس سنة .