صفحة جزء
السنة العاشرة : قول سمع الله لمن حمده في الموطأ أنه - عليه السلام - قال : إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا لك الحمد ; فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه . ومضى العمل في سائر الأمصار ، قال صاحب المنتقى : وروي اللهم ربنا لك الحمد بزيادة اللهم ونقصان الواو ، واختاره أشهب ، ورواه عن مالك ، واختاره ( ش ) وبزيادة الواو فقط وبزيادتهما وهو اختيار مالك وابن القاسم ، وبنقصانهما وهو اختيار ( ح ) ومعنى اللهم النداء ، ومعنى الواو تقدير معطوف عليه أي : لك الحمد ولك الحمد فيصير الكلام في معنى جملتين ، ومعنى سمع الله لمن حمده قال صاحب القبس : يحتمل أن يكون خبرا عن فضل الله تعالى أو دعاء بلفظ الخبر وهو الأظهر تقديره اللهم اسمع لمن حمدك وعبر بالسماع عن المكافأة ، كما قال الله تعالى : ( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ) أي : قد يجازيهم ; لأن علم الله تعالى لا يعلق على حرف قد لوجوب تعلقه ، ومعنى موافقة الملائكة فيه خمسة أقوال : النية والإخلاص كأنه يقول من أخلص في الإجابة ، كأنه يقول من استجيب له في الوقت في الكيفية بأن يدعو لنفسه وللمسلمين كما تفعل الملائكة ، أو بكونه دعاء في طاعة لا يشاركها شيء من الدنيا ، قال صاحب المنتقى : ولا يقل الإمام اللهم [ ص: 218 ] ربنا ولك الحمد وهو في الكتاب ، خلافا ( ش ) وعيسى بن دينار وابن نافع لاقتضاء الحديث اختصاص الإمام بلفظ غيره ، ويقولها المنفرد خلافا ( ح ) ; لأنهما من سنة الصلاة ولم يوجد خلفه من يقول فيقولهما ، وكره مالك للمأموم الزيادة على ربنا ولك الحمد ، وإن كان في الموطأ عن رفاعة بن نافع قال : كنا نصلي يوما وراء النبي - عليه السلام - فلما رفع رأسه من الركعة ، قال : سمع الله لمن حمده ، قال رجل وراءه : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف النبي - عليه السلام - قال : من المتكلم آنفا ؟ قال الرجل : أنا يا رسول الله ، فقال عليه السلام : لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا قال : لأن العمل على خلافه .

السنة الحادية عشرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ( ش ) : واجبه في التشهد الأخير ، ووافقه ابن المواز في الوجوب . لنا قوله - عليه السلام - في حديث ابن مسعود في التشهد فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك ولم يذكر الصلاة . حجة ( ش ) قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) والصلاة عليه لا تجب في غير الصلاة فتجب في الصلاة ، وبقوله عليه السلام : لا يقبل الله الصلاة إلا بطهور وبالصلاة علي .

[ ص: 219 ] والجواب عن الأول : أن الوجوب فيما هو أعم من الحالتين وهو مطلق الزمان فلا تتعين الصلاة ، وعن الثاني أنه محمول على الندب جمعا بين الأدلة .

السنة الثانية عشرة : الاعتدال في الفصل بين الأركان على أحد القولين ، فهذه اثنتا عشرة سنة في الجواهر : وأضاف صاحب المقدمات عشرا إليها ، الثالثة عشرة إقامتها في المساجد ; لقوله عليه السلام : هل أنبئكم بما يرفع الله به الدرجات ويمحو به السيئات ؟ إسباغ الوضوء عند المكاره ، وكثرة الخطى إلى المساجد . قال صاحب البيان : ولا يختلف في خروج المتجالة في الجنائز والعيدين والاستسقاء ، ولا تخرج الشابة إلا في جنازة أهلها والمسجد على الندرة .

السنة الرابعة عشرة : الأذان لها سنة في مساجد الجماعات والأئمة حيث كانوا وفرض في جملة المصر .

السنة الخامسة عشرة : الإقامة وقد تقدمت .

السنة السادسة عشرة : رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام ، وفي الجواهر والتلقين : هي فضيلة ، قال في الكتاب : لا أعرفه إلا في تكبيرة الإحرام وهو قول ( ح ) ، قال صاحب الطراز : وروى ابن القاسم تركه مطلقا ، وروي عنه فعله في الإحرام والرفع من الركوع ، وفي سماع ابن وهب الإحرام والركوع والرفع منه ، وهو قول ( ش ) وابن حنبل ، وقال ابن وهب : يفعله مع ذلك إذا قام من اثنتين فهذه خمسة أقوال ، وجه الأول : ما في أبي داود عن عبد الله بن [ ص: 220 ] مسعود أنه قال : ألا أصلي لكم صلاته - عليه السلام - ولم يرفع يديه إلا مرة واحدة . وكل من قال بالرفع مرة واحدة جعلها في الإحرام ، ولأن التكبير شرع في الصلاة مقرونا بحركات الأركان دخولا وخروجا ، ولما لم يكن مع تكبيرة الإحرام ركن شرع معها حركة اليدين ، ولأن الرفع يشغل النفس عن الخشوع فهو خلاف الأصل فيقتصر على الأول ، وجه الثاني أن الرفع منسوخ بما يروى عن جابر بن سمرة ، قال : كنا نرفع أيدينا في الصلاة فمر بنا - عليه السلام - فقال : ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ، اسكنوا في الصلاة . وجه الثالث أن حالة الرفع ابتداء حالة قيام فأشبه الأول . وجه الرابع ما في الصحيح عن ابن عمر أنه رواه عنه عليه السلام : إذا قام في الصلاة يرفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه . وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع ، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه منه ويقول سمع الله لمن حمده ، ولا يفعل ذلك في السجود . وجه الخامس ما في البخاري أن ابن عمر كان يفعله ورفعه أبو داود ، وطريق الجمع بين هذه الأحاديث : أن يكون الأول الأصل ، وبقية الأحاديث تدل على الجواز وكذلك أشار إليه مالك في النوادر ، ويحقق [ ص: 221 ] ذلك عمل أهل المدينة ، قال صاحب الطراز : وأما حد الرفع فثلاثة أقوال : إلى المنكبين وهو المشهور وقول ( ش ) وابن حنبل ، وإلى الأذنين وهو قول ( ح ) ، وإلى الصدر عند سحنون ، وجه الأول : حديث ابن عمر السابق ، والثاني في مسلم عنه عليه السلام ، والثالث في أبي داود عنه - عليه السلام - وأما صفة الرفع فالذي عليه العراقيون والباجي ( ش ) أن تكون اليدان قائمتين يحاذي كفاه منكبيه ، وأصابعه أذنيه وهي صفة الراغب ، فإن الراغب للشيء يبسط له يديه ، وعند سحنون ظهورهما إلى السماء وبطونهما إلى الأرض وهي صفة الراهب فإن الخائف من الشيء ينقبض عنه ، وقد فسر بهما قوله تعالى : ( ويدعوننا رغبا ورهبا ) . وقيل رجاء الخير وخوفا من الشر ، وفي الترمذي أنه - عليه السلام - كان إذا كبر نشر أصابعه مدا . وجه الثاني : الحديث الوارد في الرفع إلى الصدر فإن ذلك لا يتصور غالبا إلا كذلك ، قال : وأما إرسالهما فلم أر لأصحابنا فيه شيئا ، وقال ( ش ) : يثنيهما مرفوعتين حتى يفرغ من التكبير ، قال : والظاهر إرسالهما حالة التكبير ; ليكون مقارنا للحركة كالخفض والرفع مقارنا للحركة ، ويرسلهما بوقار ، ولا يدفع بهما إلى قدام ، ولا يقبضهما عند الإرسال ، ولا يخبط بهما لمنافاة [ ص: 222 ] ذلك للوقار ، ويستحب كشفهما عند الإحرام ، وفي أبي داود كان - عليه السلام - إذا كبر رفع يديه ، ثم التحف ، ثم أخذ شماله بيمينه وأدخل يديه في ثوبه .

السنة السابعة عشرة : الإنصات للإمام فيما يجهر فيه ; لقوله تعالى : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) .

السنة الثامنة عشرة : رد السلام على الإمام ، وقد تقدم في الأركان .

السنة التاسعة عشرة تأمين المأموم عند قول الإمام : ( ولا الضالين ) وهي في الجواهر والتلقين : فضيلة ، وفيه ثلاث لغات : القصر والمد ، والقصر مع تشديد الميم ، وقيل هو عبراني عربته العرب وبنته على الفتح ، وقيل عربته اسما لله تعالى ونونه مضمومة على النداء تقديره يا آمين استجب لنا دعاءنا ، وقيل عربي مبني على الفتح اسم لطلب الإجابة كسائر أسماء الأفعال واشتقاقه من الأمان بمعنى استجابة دعائنا . والمد هو المشهور في السنة واللغة ، شاهد القصر :

تباعد مني فطحلا إذ سألته أمين فزاد الله في بيننا بعدا شاهد المد :

ويرحم الله عبدا قال آمينا

والأول محمول على القصر للضرورة ، قال في الكتاب : لا يقل آمين ، وليقل من خلفه . قال صاحب الطراز : يريد في الجهر ، وكذلك قال ابن القاسم في النوادر

[ ص: 223 ] ولا يقوله الإمام إلا في السر ، وقال مالك في الواضحة : يقوله مطلقا وهو قول ( ش ، ح ) وابن حنبل ، وفي التبصرة لابن بكير هو مخير ، فهذه ثلاثة أقوال ، وجه الأول ما في الموطأ قال عليه السلام : إذا قال الإمام : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقولوا آمين ، فإنه من وافق تأمينه الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه . وفي الموافقة ما تقدم في سمع الله لمن حمده ، ولأن الإمام داع فيكون المأموم هو المؤمن على سنة الدعاء . وجه الثاني ما في الصحاح : إذا أمن الإمام ; فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه .

وفي أبي داود عنه - عليه السلام - يقول : آمين حتى يسمع من في الصف الأول ، ولأنه تابع للقراءة والإمام قارئ . وجه الثالث تعارض الأدلة . تفريع : قال صاحب الطراز : ولا خلاف أن الفذ يؤمن قال : وإذا قلنا يؤمن المأموم قال مالك : فمن لا يسمع الإمام لا يؤمن ; لأنه إجابة ، والإجابة فرع السماع . وفي البيان قال مالك : ليس على من لم يسمع أن يؤمن وظاهره له ذلك ، قال : ويتحرى الوقت كما يتحرى المريض لرمي الجملد فيكبر ، وذهب محمد بن عبدوس إلى أن ذلك عليه ، وذهب يحيى بن عمر إلى أنه لا ينبغي له أن يفعل ذلك ، قال : وهو أظهر ; لأن المصلي ممنوع من الكلام والتأمين كلام أقيم في موضعه ، وعند التحري قد يخطئ ، قال : فهذه ثلاثة أقوال . وإذا قلنا يؤمن الإمام ، قال الباجي لا يجهر به قال : وهو الأرجح ; لأنه دعاء [ ص: 224 ] والأصل في الدعاء الخفية ، لقوله تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) ، ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ) . وقال ( ش ) وابن حنبل : يجهر ليقتدى به لظاهر الخبر ، ونحن نحمله على بيان الجواز ، لا لمشروعية ذلك على وجه التقدير .

السنة العشرون : قول المأموم ربنا ولك الحمد وهي في الجواهر والتلقين : فضيلة ، وقد تقدم الكلام عليها .

السنة الحادية والعشرون : للمرأة وقد تقدم ذكره في شروط الصلاة النافلة .

السنة الثانية والعشرون : التسبيح في الركوع والسجود وهي في الجواهر والتلقين فضيلة ، وقال في الكتاب : ليس بواجب ولا موقت وأنكر التحديد ، وهو قول ( ش ) و ( ح ) ، وأوجبه ابن حنبل في الركوع والسجود كما أوجب التكبير في الركوع والسجود ، ورب اغفر لي بين السجدتين لقوله تعالى : ( فسبح باسم ربك العظيم ) والأمر للوجوب ، وفي أبي داود لما نزلت قال عليه السلام : اجعلوها في ركوعكم ، فلما نزلت : ( سبح اسم ربك الأعلى ) قال عليه السلام : اجعلوها في سجودكم . لنا حديث الأعرابي المسيء لصلاته علمه - عليه السلام - الواجبات ، فلو كان التسبيح واجبا لذكره ، وأما إنكار مالك للتحديد فقد حدده ابن حنبل : سبحان ربي العظيم ثلاثا ، وسبحان ربي [ ص: 225 ] الأعلى ثلاثا ، واستحب ( ش ) ذلك ثلاثا ، وقال سفيان الثوري : يقول الإمام خمسا حتى يلحق المأموم ثلاثا ، لما في أبي داود قال عليه السلام : إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات : سبحان ربي العظيم وذلك أدناه ، وإذا سجد فليقل : سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات وذلك أدناه . وهو معارض لما في الصحيحين أنه - عليه السلام - كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي . ووردت أذكار مختلفة غير هذا وذلك يمنع التحديد والوجوب ، قال صاحب المقدمات بعد عده ثماني عشرة سنة : وأسقط بعض ما عده غيره فمن هذه ثمان سنن مؤكدات يسجد لسهوهن ، وتعاد الصلاة لتركهن عمدا أبدا على الخلاف في ترك السنن عمدا وهي : السورة ، والجهر ، والإسرار ، والتكبير ، وسمع الله لمن حمده ، والتشهد الأول والجلوس له ، والتشهد الأخير وما عدا هذه الثمانية فلا فرق بينها وبين الفضائل إلا في تأكيد الطلب الشرعي ، إلا القناع للمرأة فإن الصلاة تعاد لتركه في الوقت .

التالي السابق


الخدمات العلمية