الفصل الثالث : في
ترتيب القضاء مع الأداء .
قال
ابن الجلاب في الترتيب كله : إنه واجب مع الذكر ساقط مع النسيان في المتروكات في الوقت وبعده ، وفي المفعولات يستحب في الوقت ، وصلاة الجنازة لا يجب الترتيب معها ; فهي مستثناة نقله في الجواهر عن
ابن القاسم وجماعة .
نظائر
الترتيب والتسمية في الذبيحة وموالاة الطهارة ، وإزالة النجاسة ، والوجوب فيها عند
مالك - رحمه الله - مع الذكر دون
[ ص: 386 ] النسيان على خلاف قاعدة الواجبات ; لضعف مدرك الوجوب فيها ، فسقط مع النسيان ، وفي الجواهر : هو واجب في اليسير ، فيقدم على الحاضرة ولو فات وقت أدائها ، وقال
ابن وهب و ( ش ) و ( ح ) يبدأ بالوقتية ، وروى
أشهب التخيير بينهما .
لنا الحديث المتقدم قدم فيه - عليه السلام - العصر على المغرب ، وعين الوقت للمنسية في الحديث الآخر بقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348707فليصلها إذا ذكرها " . ويروى : فإن ذلك وقتها ، وهو لا يتسع لغيرها ، فوجب تأخيرها وهو المطلوب ، واتفقت الأمة على أن
من نسي الظهر يوم عرفة وأحرم بالعصر ثم ذكر الظهر ; فإنها تفسد عليه فيجب تقديم ما تقدم وجوبه ، إلا ما استثني ، حجة ( ش ) القياس على ترتيب الخمس مع الجنازة ، والقليل على الكثير ، والمذكور على المنسي ; فإنه لو نسي فبدأ بالحاضرة ولم يذكر حتى خرج وقت الحاضرة ; صحت . وفي الباب فروع خمسة :
الأول في الكتاب :
من ذكر منسية في مكتوبة قطع ، وإن صلى ركعة شفعها ، أو ركعتين سلم ، أو ثلاثا أتمها ، قال
ابن القاسم : ويقطع بعد ثلاث أحب إلي ، وإن كان مأموما فلا يقطع ، وإن كانت المغرب تمادى مع الإمام وأعادها ، وإذا سلم صلى ما نسي وأعاد ما صلى مع الإمام ، وإن صلى قبلها صلاة وأدرك وقتها ووقت التي صلى مع الإمام ; فليعدهما جميعا بعد الفائتة ، ووقت المغرب والعشاء في هذا الليل كله . قال
سند : مذهب
ابن القاسم nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون : أن الترتيب غير واجب
[ ص: 387 ] ولا شرط ، وظاهر الكتاب يقضي الوجوب والشرطية لقضائه بفساد الحاضرة ، وقوله : يتمادى المأموم ويكمل الذاكر بعد ثلاث يشهد
لابن القاسم ، وإذا قلنا لا يقضي فثلاثة أقوال في الكتاب : يقطع ، وفي العتبية يجعلها نافلة ، وفرق
ابن حبيب بين ما خرج وقته فلا يقطع ، وقال : إن ذكر ظهر يومه في العصر ، أو مغرب ليلته في العشاء يقطع ، وأما ما خرج وقته في آخر وقت الحاضرة ; فاستدراكه لبقية الواجب أولى من نافلة لا تجزيه . حجة ما في الكتاب : القياس على من أقيمت عليه صلاة في المسجد بعد إحرامه بها منفردا ، وجه إتمامها نافلة القياس على من أقيمت عليه فريضة في نافلة ، وأما قوله : يضيف إليها أخرى ; فنقول : إن كان الوقت الاختياري قائما يسع المنسية والنافلة فكما قال ، وإن لم يسع كذاكر الظهر في آخر وقت الاشتراك ; فإن أتم نافلة خرج الوقت فلا يحل له أن يشتغل بما لا يجب عليه أصله ، قال : وهو مقتضى قول أصحابنا : إن من أخر عن الاختياري أثم ، وعلى القول بعدم التأثيم يحتمل التمادي ، وإن خرج الاختياري والضروري فأتم يتمها على المذهب نافلة ما لم يمنع ذلك من أداء المذكور فيها ، وعند
ابن حبيب يقطع على شفع أو وتر ، فإن كان يمنع قطع إلا أن يمتنع أداء المذكور فيها بكل وجه ، وأما قول
ابن القاسم في الذاكر بعد ثلاث يقطع أحب إلي ، فلا يظهر للذكر أثر ، قال : ويتخرج على قوله وعلى قول
مالك إن ذكر بعد ركعة من الصبح فعنده يقطع ، وعند
مالك يتمادى ، وأما قوله : لا يقطع خلف الإمام ، فقاله ( ش ) و ( ح ) إما لأن الإمام يحمل الترتيب كالقراءة ، أو
[ ص: 388 ] لأن المتابعة متفق على وجوبها بخلافه ، ويعيد الحاضرة بعد المنسية بعد مفارقة الإمام ما دام وقتها عند
ابن القاسم nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون ، وأبدا عند
ابن حبيب ، فإن الذكر عنده يؤثر في إبطال الفرضية ، فتبقى نافلة ، وأما قوله : يتمادى المأموم في صلاة المغرب ، فقد حكى
اللخمي رواية : بأنه يضيف إليها أخرى ويجعلها رابعة ، والأولى مبنية على أن الذكر لا يفسدها ، والثانية مبنية على أنه يفسدها ، وقوله يعيدها ، قال
سند : استحبابا ، والفرق بين هذا وبين من دخل مع الإمام فذكر أنه صلى وحده المغرب أن هذا اختلف في صحة صلاته ، وذاك اتفق على صحة صلاته ; فتعين إعادة المغرب مرتين .
الثاني في الكتاب :
إذا ذكر منسية بعد إيقاعه للظهر والعصر قبل الغروب بمقدار يسع الثلاث ، صلى المنسية ثم أعادها على الترتيب ، وإن اتسع للمنسية مع إحداهما ، صلى المنسية وأعاد العصر ، وكذلك المغرب والعشاء مع الصبح ، وقال في النوادر : الوقت إلى اصفرار الشمس فقط .
ملاحظة : إن ترتيب المفعولات مستحب وهذا وقت نهي ، وقياسا على من نسي النجاسة أو أخطأ القبلة ، والفرق على الوجه الأول : أن الشرع سامح فيهما في مواضع مع الذكر ، ولم يسامح في الترتيب مع الذكر ، وحكى في الجواهر في الوقت : هل هو الضروري أو الاختياري قولين مطلقا . قال
سند : فلو صلى المنسية ونسي إعادة ما صلى قبلها حتى خرج الوقت ، قال
ابن القاسم : لا يعيدها خلافا
لمطرف لوقوع الصلاة صحيحة ، وراعى
مطرف أن الترتيب واجب فيستدرك مع الذكر ابتداء ، ولو ذكرها بعد إيقاع الجمعة ، قال
مالك وابن القاسم : يعيد ظهرا .
[ ص: 389 ] وقال
أشهب : لا يعيد ; لأن الفراغ من الجمعة كخروج الوقت ، وإن ذكر في الجمعة ، ففي الجواهر قال
أشهب : إن علم أنه يدرك ركعة بعد المنسية فأحب إلي أن يقطع ويقضي ، ثم يعود إلى الجمعة ، وإلا تمادى ولا إعادة عليه في الجمعة إلا احتياطا ، وقال الشيخ :
أبو الحسن : مذهب
مالك اتباع الإمام وإعادة الجمعة ظهرا ، فلو صلى صلوات ذاكرا للمنسية ، قال
ابن القاسم في الكتاب : يصلي المنسية وما بقي وقته من المفعولات ، وهو يؤكد قول
ابن القاسم : أن الترتيب ليس بشرط ، قال
سند : وعلى القول بشرطيته يعيد المفعولات بعد الوقت ، وقاله
ابن حبيب ، ولو ذكرها آخر النهار فصلاها وقد بقي ما يسع صلاته فصلى العصر فبقي بقية ، قال
مالك : يعيد الظهر والعصر ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : الظهر فقط ، ولو ذكرها بعد ما ركع الفجر قبل الصبح فصلاها ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : يعيد الفجر ; لأنه متعلق بوقت مخصوص فيجب الترتيب كالمفروضة ، ولو صلى المذكورة بعد الحاضرة ، وبقي ما يسع الحاضرة وشك في فائتة ; صلى الفائتة ولا يعيد الحاضرة لخروج الوقت . الثالث في الكتاب :
إن ذكرها في نافلة وكان صلى منها ركعة أضاف إليها أخرى ، وإلا قطع ، وكان يقول : يقطع بقدر ركعة ; أما عدم القطع بعد ركعة ، فقياسا على الفريضة والوقت مستحق للنافلة ; لقوله - عليه السلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348472من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ، . وأما القطع بعد ركعة فلأنه لولا ذلك لم يظهر للذكر أثر ، بخلاف الفريضة فإنه انصرف عما عزم عليه ، والفرق عند
مالك في كونه يقطع ثلاثا في الفرض ، ولا يقطع بعد ركعة في النافلة : أن الثلاث الأكثر من العبادة بخلاف ركعة من النافلة ، وإنما وزانها ركعتان في
[ ص: 390 ] الفرض ، وهو يقطع فيهما ، وإذا قطع النافلة فلا يعيدها كمن أقيمت عليه الفريضة في نافلة ; لعدم تعمده الإبطال .
الرابع في الكتاب : إذا
ذكر الإمام منسية يقطع ويعلمهم يقطعون ، فإن لم يذكرها حتى فرغ لا يعيدون ، ويعيد هو بعد قضاء المنسية ، وكان يقول يعيدون في الوقت ، فجعله يقطع بخلاف الفذ فإنه يجعل صلاته نافلة على التفصيل المتقدم ، ولو أتم الإمام نافلة ; لأفسد عليهم بتماديه ، قال
سند : وعلى قوله يقطعون أجمعون فإنه إن ركع أتى بثانية وسلم بهم ، وروى
ابن القاسم : أنه يستخلف كالحدث ، وجه الأول : أن الإمام قطع لخلل في صفة صلاته ، فإن الترتيب صفة كالإحرام والقراءة والنية ، يقطع المأموم مع الإمام فيه كما يقطع فيهما ، والحدث شرط مفارق . ولهذه الإشارة قال أصحابنا : كلما بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم إلا في نسيان الحدث وسبقه . الخامس في الكتاب :
إن ذكر ثلاثا وما قرب منهن ، قدمهن على الحاضرة وإن فاتت ، وإن كثرت بدأ بالحاضرة ثم المنسيات ، ثم الحاضرة إن بقي من وقتها شيء ، وإلا فلا ، قال
سند : ظاهر الكتاب يقتضي أن الأربع غاية الكثرة ، وأن الخمس تقدم الحاضرة عليهن وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ; وروي عن
مالك : تقدم الخمس على الحاضرة ، وحكى صاحب التنبيهات القولين في ظاهر الكتاب ; وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب : إذا كان عليه منسيات كثيرة فقضاهن وبقي عليه خمس ، كن كالخمس المنفردات يجب ترتيبها في نفسها . ومع الحاضرة ، وعبر عن ذلك بقوله : يجب الترتيب في الخمس أصلا أو بناء . قال
سند : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13521ابن مسلمة : تقدم المنسيات
[ ص: 391 ] وإن كثرن إذا أتى بجميعها في فورة وإن خرج وقت الحاضرة ، وجعل إجماعهما في فور واحد كصلاة واحدة كما قلنا في النوافل الكثيرة بعد الفريضة بالتيمم . حجة التقديم على الحاضرة من حيث الجملة : أن الترتيب واجب لما تقدم والواجب يترك للواجب ، وإن قلنا : بأنه سنة كما قاله
ابن القاسم ، فنقول هذا الوقت بين الحاضرة والمنسية ; لقوله - عليه السلام - : "
فإن ذلك وقتها " والمنسية أولى لتقدم وجوبها ، أما الاقتصار على الأربع ، فلما روى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348710كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فحبسنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فاشتد ذلك علي ; فقلت : نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي سبيل الله ، فأمر النبي - عليه السلام - بلالا فأقام ، فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ثم أقام فصلى المغرب ، ثم أقام فصلى العشاء ، ثم طاف علينا فقال : ما على الأرض قوم يذكرون الله غيركم . احتج به
الباجي وليس فيه حجة ; لأنه ليس فيه أنهن قدمن على الصبح . حجة الخمس : قوله - عليه السلام -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348711من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها - وهو عام في القليل والكثير ، وخالفناه في الكثير الذي يتكرر وهو السادسة فما فوقها لحصول المشقة ، فبقي ما عداه على مقتضى الدليل .