صفحة جزء
[ ص: 134 ] الباب السابع

في أداء الزكاة

وله ثلاث حالات : أداؤها في وقتها ، والتعجيل ، والتأخير . الحالة الأولى : الأداء في الوقت ، وفي ( الجواهر ) : يجب أداؤها على الفور للإمام العدل الصارف لها في وجوهها ، لقوله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ) . ( التوبة : 103 ) وما وجب عليه وجب علينا تمكينه منه ، وقيل : لأرباب الناض تفريقه على مستحقيه وإن كان عدلا لأنها قربة ، والأصل : مباشرة القرب ، وليس في قوله تعالى : ( خذ من أموالهم ) عموم بل لفظ ( صدقة ) مطلق يكفي فيه فرد من أفراده .

فروع ثلاثة : الأول في ( الكتاب ) : يسأل الإمام الناس على الناض وإن لم يتجروا ، ولا يبعث في ذلك أحدا ، بل يكتفي بأمانة الناس ، إلا أن يعلم الإمام العدل منعها فيأخذها كرها ، ومن تجر من المسلمين من بلد إلى بلد فزكاة واحدة في العام ، بخلاف الذمة في العشر ، ولا تقوم على تجار المسلمين ولا الذمة أمتعتهم ، بل إذا باعوا أدوا ، ومن ادعى قراضا أو دينا أو عدم الحول صدق بغير يمين ، قال سند : فإن فرقها ربها والإمام عدل أجزأته عند الجمهور ، وكذلك لو طلبه فأقام على إيصالها إلى ربها بينة ، وقال ابن القصار : إن طلبه الإمام العدل غرمها وإلا أجزأته ، فإن لم تقم بينة ; قال مالك وابن القاسم : لا يقبل قوله إن كان الإمام عدلا ، وقال أشهب : يقبل إن كان صالحا ، فإن كان الإمام جائرا فلا تدفع إليه ليلا تضيع على مستحقيها ، قال أشهب : إن دفعها إلى غير العدل مع إمكان [ ص: 135 ] إخفائها لم تجزئه إلا أن يكرهه فلعلها تجزئ ، وقال ابن القاسم : إن أخذها الجائر أو عوضا منها وهو يضعها مواضعها أجزأت ، وإلا فلا تجزئ طوعا ولا كرها صدقة ولا عوضها ، قال أصبغ : والناس على خلافه ، وإنها تجزئ مع الإكراه ، قال أصبغ : فلو دفعها طوعا إليه فأحب إلي أن يعيد .

تمهيد : اجتمع في الزكاة شبه الوديعة ، ودفع الوديعة لغير ربها يوجب الضمان إلا مع الإكراه ، وشبه الدين والنصيب المشترك ، وإذا دفعها لوكلاء مستحقيها ، والوكيل فاسق أبرأ الدافع ، والإمام أقامه الشرع وكيلا للفقراء ، قال : فلو كتم ماله ، فحلله الجائر : قال في ( المجموعة ) : لا يحلف ويدفع إليه ، وهو متجه إذا قلنا بالإجزاء ، وإذا قلنا بعدم الإجزاء : يحلف ولا شيء عليه ; لأنه مكره على أخذ ماله ، فإن كان السلطان من أهل الأهواء : قال مالك : يجزئ ، قال أشهب : طوعا أو كرها ; لأن تصرفات الخوارج نافذة ، وإلا فسدت أنكحة الناس ومعاملاتهم ، وذلك فساد عظيم ، ولا ينقض إلا الجور ، قال : والناس على ثلاثة أقسام : معروف بالخير يقبل قوله ، ومعروف بمنع الزكاة يبحث الإمام عنه ، وقال ( ح ) : إذا منعها لا يجبر على أخذها من ماله ، لكن يلجأ إلى دفعها بالحبس وغيره لافتقارها إلى النية .

لنا : فعل الصديق - رضي الله عنه - . والقياس على الزرع ، وأما النية فإنها إنما اشترطت لما فيها من شائبة العبادة التي هي تبع لسد الخلة . فإذا منع المتبوع لا يسقط لتعذر التابع . أو نقول : نية الإمام تقوم مقام نيته .

ولا يؤخذ من أموالهم أكثر من الزكاة . وقال ( ش ) : يؤخذ شطر مالهم عقوبة لهم لما في أبي داود أنه عليه السلام قال : ( فيمن منعها ) : ( فإنا آخذوها وشطر ماله ) جوابه ، أن ذلك أول الإسلام حيث كانت النفوس تشح [ ص: 136 ] بالزكاة ، ولقوله عليه السلام : ( ليس في المال حق سوى الزكاة ) فإن لم يوجد له مال وهو معروف المال : قال ابن شعبان : له سجنه كديون المعاملات . الثالث : مجهول الحال ، فإن ادعى دفعها لم يقبل قوله ; لأن الأصل بقاؤها ، وإن ادعى عدم النصاب صدق ; لأن الأصل عدمه .

الثاني ، قال : النية واجبة في أداء الزكاة عند مالك والأئمة لقوله عليه السلام : ( إنما الأعمال بالنيات ) ولأنها عبادة متنوعة إلى فرض ونفل ، وحكمة إيجاب النية إنما هو تمييز العبادات عن العادات ، وتمييز مراتب العبادات فتفتقر للنية لتمييزها عن الهبات والكفارات والتطوعات ، وفي ( الجواهر ) : ينوي ولي الصبي والمجنون ، وقال بعض أصحابنا : لا تفتقر الزكاة إلى النية قياسا على الديون ، ولإجزائها بالإكراه وعمن لا تتأتى منه النية كالمجنون ، قال القاضي أبو الحسن : ولا يحتاج الإمام إلى نية ; لأن فعله يقوم مقام النية .

قال سند : وينوي المزكي إخراج ما وجب عليه في ماله ولو نوى زكاة ماله أجزاه وتجب بالتعيين فلو تلفت بعد عزلها أجزأت إذا عينها ، وإذا عينها لم تحتج إلى نية عند دفعها للمساكين ، وإن لم يعينها وعزلها عن ملكه وجبت النية عند التسليم ; لأن صورة الدفع مشتركة بين دفع الودائع والديون وغيرها ، وجوز بعض الشافعية تقديم نيتها عليها من غير استصحاب قياسا على تقديم الزكاة على أصلهم ، ولأنه قد يأمر وكيله بإخراجها ، فلو لم يجز تقديمها لكان تغريرا بالمال ، ونحن نضمن [ ص: 137 ] الوكيل إن لم يفعل ما أمر به فلا ضرر ، وينقض عليهم بالنيابة في الحج مع افتقاره إلى نية تقارنه .

الثالث : قال : لو تصدق بجملة ماله ونوى زكاته ، وما زاد تطوع ، أجزأ وإلا فلا ، خلافا ل ( ح ) محتجا بأنه لم يبعد عن المقصود ، ويشكل عليه بما لو صلى ألف ركعة ، ينوي بها : اثنتين للصبح ، والبقية للنفل فإنها لا تجزئ .

الحالة الثانية : تعجيل الزكاة ، وفي ( الكتاب ) : لا ينبغي إخراج زكاة عين ولا ماشية قبل الحول إلا بيسير ، فإن عجل زكاة ماشيته لعامين لم يجزه ، وفي ( الجواهر ) : في اليسير خلاف ، واختلف في حده إذا جوزناه ، فقال ابن القاسم : نحو الشهر ، وقال ابن المواز : اليومان ، وحكى ابن حبيب عمن لقي من أصحاب مالك : العشرة ، وقيل : نصف الشهر ، وهذا الخلاف يختص بالعين والماشية ، وأما الحرث : فلا يجوز التقديم فيه ، وخالفنا الأئمة في التعجيل ، وأجازه ( ح ) عن سنين ، وفي الحرث والثمار قبل ظهورهما ، وفي أبي داود : ( أن العباس سأل النبي عليه السلام في تعجيل صدقته قبل أن يحل فرخص له فيها ) ولأن القاعدة : أن تقديم الحكم على شرطه إذا تقدم سببه جائز كالتكفير قبل الحنث لتقدم الحلف ، والعفو عن القصاص قبل الزهوق لتقديم الجرح ، فكذلك هاهنا لما تقدم السبب الذي هو النصاب لا يضر فقدان الحول ، ولذلك اجتمعت الأمة على منع التعجيل قبل كمال النصاب ، وقياسا على الديون ، فإن الحول حق للأغنياء ، فإذا أسقطوه سقط كأجل الدين ، والجواب عن الأول : أنه محتمل التعجيل قبل الحول بيسير أو بعده ، وقبل الساعي ، أو يعجل له الساعي ، أو صدقة التطوع ، وعن الثاني : أن قصد [ ص: 138 ] الحنث عندنا يقوم مقام الحنث إذا كان على حنث فلم يفقد الشرط وبدله ، وعن الثالث : أن مصلحة العفو تفوت بالموت فجعل له استدراكها ، وها هنا لا تفوت ، وعن الرابع : أن الزكاة فيها شائية العبادة ، ولذلك افتقرت إلى النية بخلاف الديون ، ويدل ، على ما قلنا : القياس على الصلاة ، ولأن النصاب إذا هلك قبل الحول إن قلتم : أن المعطي واجب لا يكون الحول شرطا ، وليس كذلك ، وإن لم يكن واجبا فلا يحل للفقير التصرف فيه وهو لم يعط له ، فتبطل حكمة التعجيل ، وفي ( الجواهر ) : لو عجل بالمدة الجائزة وهلك النصاب قبل تمام الحول ، أخذها إن كانت قائمة إن ثبت ذلك وإلا فلا يقبل قوله ، أما لو ذبح شاة من الأربعين بعد التعجيل ثم حال الحول لم يكن له الرجوع ، لاحتمال نية الندم ، فيتهم في الرجوع ، قال سند : إذا دفع شاة من أربعين أو نصف دينار من عشرين ، وبقي الباقي إلى تمام الحول فظاهر قول ابن القاسم : أن المدفوع زكاة مفروضة ، وقاله : ( ش ) ; لأن المدفوع يقدر بقاؤه في يد المالك ، حتى قال الشافعية لو كانت الماشية مائة وعشرين فولدت شاة الصدقة في يد الفقير سخلة وجب عليه إخراج شاة أخرى لتجدد النصاب ، وقال ( ح ) في الأول : لا تكون زكاة ويستردها من الإمام ; لأنه لم يحل الحول على نصاب عنده ، ولو تلف في يد الساعي قبل إيصاله إلى المساكين لم يضمنه على مقتضى المذهب لوقوعه الموقع ، فلو تغيرت حال رب المال قبل الحول بموت أو ردة : قال ( ح ) : إن كان بيد الإمام استرجعه ، وإن وصل إلى الفقراء فلا ، وقال ( ش ) وابن حنبل : له ذلك مطلقا ، كما لو دفع كراء مسكن فانهدم ، ولو تغير حال الفقير بموت أو ردة : فقال ابن القاسم : و ( ح ) وقعت الموقع اعتبارا بحالة الأخذ ، وقال ( ش ) وابن حنبل : يسترد منه ولا يجزئ ربها ، فلو عجل زكاة زرعه قبل حصاده وهو قائم في سنبله : قال مالك : يجزئه للوجوب بالطيب ، فلو عجل زكاة ماشيته ، ثم جاء الساعي عندما وجده دون ما دفعه للمساكين إذا [ ص: 139 ] عجلها بما لا يجوز له ، فقولان مبنيان على أن الساعي شرط في الوجوب أم لا . الحالة الثالثة : التأخير مع الإمكان في ( الجواهر ) : هو سبب الإثم والضمان ، فلو تلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن فلا زكاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية