فصل : في المقدمات : يتهم أهل العينة فيما لا يتهم فيه غيرهم لعادتهم بالمكروه ،
والعينة ثلاثة أقسام : جائزة ومكروهة ومحظورة .
القسم الأول :
أن يقول الرجل للرجل من أهل العينة : هل عندك سلعة كذا أشتريها ؟ فيقول : لا وينفصلا عن غير مواعدة ، فيشتري تلك السلعة ويبيعها منه نقدا أو نسيئة .
القسم الثاني : المكروه أن يقول :
اشتر لي كذا وأربحك فيه من غير تقدير الربح .
القسم الثالث : أن يقول : الربح والثمن ، وفيه فروع :
الأول :
اشترها لي بعشرة نقدا ، وأشتريها منك باثني عشر نقدا ، فهو أجير بدينارين ، فإن كان النقدان أحدهما بغير شرط جاز ، أو من المأمور بشرط امتنع ; لأنها إجارة بشرط سلف الثمن ، ويكون له أجرة مثله إلا أن تزيد على الدينارين ; لأنه رضي بهما على رأي
ابن القاسم في البيع والسلف من البائع وفاتت السلعة ، وعلى رأي
ابن حبيب : يجب أن له القيمة ما بلغت ، تكون له الأجرة ما بلغت ، قال : والأصح أن لا تكون له الأجرة لئلا يكون ثمنا للسلف وتتميما للربا ، فتكون ثلاثة أقوال ، هذا إذا عثر على ذلك قبل انتفاع الآمر ، وإلا فقولان ، الأجرة ما بلغت لا شيء له ، ولو عثر على ذلك قبل أن ينقد المأمور كان النقد من عند الآمر ، وفيما يكون للأجير قولان ، والأجرة ما بلغت الأقل من الأجرة أو الدينارين ،
وابن الحبيب يرى أن نقد المأمور تقديم الحرام
[ ص: 17 ] وإن لم يمض من المدة ما ينفع الآمر فيها ، وتكون له الأجرة ما بلغت .
الثاني : يقول :
اشتر بعشرة نقدا ، وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل فهو سلف بزيادة ، وتلزم السلعة الآمر ; لأن الشراء كان له ، ويعطي العشرة نقدا وتسقط الزيادة ، وله أجرة مثله ما بلغت في قول ، والأقل منها ومن الدينارين في قول ، ولا شيء له في قول ، قال في سماع
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : إن لم تفت السلعة فسخ البيع ، قال : وهو بعيد ، وقيل معناه : إذا علم البائع بعلمها .
الثالث :
اشتر لي باثني عشر إلى أجل ، وأبتاعها بعشرة نقدا فيكون المأمور أجيرا على أن يسلفه الآمر عشرة ، وتكون له الأجرة ما بلغت هاهنا اتفاقا .
الرابع :
اشتر لنفسك نقدا ، وأشتريها منك باثني عشر إلى أجل فهو حرام ، فإن وقع فعن
مالك يلزم الآمر الشراء باثني عشر إلى الأجل ; لأن المشتري كان ضامنا لها ، ولو أراد الآمر تركها كان له ذلك ، واستحب أن لا يأخذ المأمور إلا ما نقد ، وقال
ابن حبيب : يفسخ البيع الثاني إن كانت السلعة قائمة ، ويرد المأمور فإن فاتت ردت إلى قيمتها معجلة يوم يقبضها الآمر كالبيع الفاسد ; لأن المواطأة قبل الشراء بيع ما ليس عندك المنهي عنه .
السادس : اشتر لنفسك باثني عشر إلى أجل ، وأبتاعها بعشرة نقدا ، فلا يرد البيع إن فات عند
ابن القاسم ، ولا يكون على الآمر إلا العشرة ، ويفسخ البيع الثاني عند
ابن حبيب كالبيع الحرام للمواطأة المتقدمة ، فإن فاتت فقيمتها يوم قبض الثاني ، وظاهر قول
ابن القاسم : يفسخ ما لم تفت السلعة .
[ ص: 18 ] السابع : في الجواهر : يشتري من أحدهم بعشرة نقدا ، أو بعشرة إلى أجل فيمتنع منهم خاصة كأنه اشتراها فبيع منهما بعشرة يدفعها ، ويتبع الباقي ينتفع بثمنه الآن ، ويدفع عنه الثمن المؤجل ، والغالب أنها لا تساوي العشرين فيكون ذهبا في أكثر منه .
الثامن : قال : أن يكون متهما في الشراء للبيع دون الأجل فيشتري طعاما بعشرة إلى أجل ، ويقول : بعته بثمانية فحط عني من الربح قدر النقص فيمنع إذا كان المقصود البيع ، وكانا أو أحدهما من أهل العينة ; لأنهم يتواطئون على ربح العشرة اثني عشر ، أو غيره فإذا باع ونقص عن تقديرها حطه حتى يرجع إلى ما تراضيا عليه ، وهم قوم يوسعون الحيلة في الحرام ، وقد قال الأصحاب : إن كانت البيعتان أو الأولى إلى أجل اتهم جميع الناس ، فإن أفضى إلى مكروه امتنع ، وإن كانتا نقدا فلا يتهم في الثانية إلا أهل العينة ، وكذلك إن كانت الثانية هي المؤجلة ، وقيل : بل يتهم في هذه جميع الناس . قال
أصبغ : إن كان أحدهما من العينة فاعمل على أنهما جميعا من أهل العينة .
التاسع : قال صاحب البيان : قال
مالك : إذا
باع قمحا بدينار ، ثم اشترى منه المشتري بزائد دينار ، ثم تساقطا الدينارين لا يجوز ، ويرد الثمن ; لأنه قبض طعاما من ثمن الطعام ، وعلى مذهب
عبد الملك : يفسخ البيعان لفسخ القمح أيضا ، وقال
محمد : تفسخ المقاصة فقط .
العاشر : قال : قال
مالك :
اشترى تمرا جزافا ولم يبعه ، ثم اشترى البائع منه أكثر من الثلث كيلا ، امتنع نقد أم لا ; لأنه ذريعة إلى استثناء أكثر من الثلث من الجزاف ، وهو متفق على منعه ، وإن كان البيع إلى أجل ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : لا يشتري منه شيئا أصلا ، وكذلك إن تفرقا ، وإنما يجوز أقل إذا لم
[ ص: 19 ] يتفرقا بغير نقد ، ولو كان من أهل العينة امتنع الشراء مطلقا بعد العينة لا نقدا ولا مقاصة .
الحادي عشر : قال : إذا
باع رطبه بثمن إلى أجل ففي جواز أخذه إذا يبس ثلاثة أقوال : الجواز في التفليس وغيره ; لأن اقتضاء الطعام من ثمن الطعام إنما يحرم لتوقع بيع الطعام بالطعام نسيئة ، وهاهنا أخذ عين نسيئة ، والمنع في التفليس وغيره خشية بيع الرطب بالتمر ، والفرق بين التفليس فيجوز ; لأنه أدت إليه الأحكام وغيره فيمتنع ، فلو باع عبدا بثمن إلى أجل ففلس المشتري وقد أبق العبد قال
مالك : يخير بين محاصة الغرماء وطلب العبد ، فإن وجده أخذه ، وإلا حاص الغرماء ، وقال أيضا : إن رضي بطلبه ليس له الرجوع للمحاصة ، وابتاع العبد دين بدين وحظره ، وهو أظهر الأقوال .