فرع
إذا أعرى جماعة : قال
المازري :
إذا أعرى جماعة أجاز مالك شراء جميعها من جميعهم ، وإن فات كل واحد خمسة أوسق بعد أن توقف فيها ، ويجوز شراء نصيب أحدهم وهو خمسة أوسق فأقل على التعليل بالمعروف ، أو دفع الضرر ; لأنه قد يتضرر من أحدهم دون غيره ، وإذا
أعرى جماعة واحدا فلهم شراء العرية منه لقصد المعروف ودفع الضرر ، وأجاز
ابن القاسم لأحدهم شراء ما أعراه على أصله في التعليل بدفع الضرر أو المعروف ، ومنع
عبد الملك ; لأن العلة عنده دفع الضرر وهو باق .
[ ص: 207 ] البحث السابع في
سبب الرخصة : وفي ( الجواهر ) : فيه ثلاثة أقوال : المعروف ليحفظها له ، ويحمل عنه الجذاذ ، ودفع الضرر عن المشتري بدخول البائع وخروجه ، وتوقع أذيته وكشفه للعيال في البستان ، وهو قول
مالك وابن القاسم في ( الكتاب ) وجوز
عبد الملك لدفع الضرر دون المعروف ; لأن الغاية إنما هي بدفع الضرر غالبا .
قاعدة : إذا ورد الشرع بحكم في محل : فإن تعذرت معرفة حكمته فهو تعبد ، وإن أمكنت من أوصاف مذكورة في النص فهو تنقيح المناط ، كحديث الأعرابي في إفساد الصوم ، ومن أوصاف غير مذكورة كتحريم الخمر وهو تخريج المناط ، ثم إن وجدنا وصفا واحدا جعلناه كمال العلة وأوصافا كلها مناسبة جعلنا المجموع علة ، إلا أن يومئ الشرع أو ينص على كل واحد منها بالاستقلال ، فيكون كل واحد علة ، فإن اجتمعت الأوصاف ترتب الحكم عليها أو انفرد أحدها ترتب الحكم عليه ، وهذا هو الفرق بين العلة المركبة من أوصاف ، وبين أوصاف كل واحد منها علة ، وهاهنا إنما الشرع للضرر من جهة أنه السبب الذي كانت الجاهلية تشتري لأجله العرايا فقرره الشرع ، ويؤكده : رخصة المساقاة ، والقراض ، وأكل الميتة ، وإساغة الغصة بالخمر ، والقصر والفطر في السفر ، كلها لدفع الضرر ، وإيماؤه للنفع والمعروف بقوله من جهة القياس على القرض بجامع بذل عين في مثلها ، وجواز رد عين المأخوذ فلا جرم اعتبر المشهور إحدى العلتين لا بعينها اجتمعتا أو افترقتا ، لدلالة الأدلة الشرعية على اعتبار كل واحدة منهما ، ورجح
عبد الملك مناطه بكثرة وجوه القياس والاعتبار ، قال في ( الجواهر ) : ويتخرج على تحقيق العلة شراء بعض العرية ،
[ ص: 208 ] وشراؤها إذا كانت جملة الحائط وهي خمسة أوسق ، وإذا أعرى جماعة عرية شراء حصته .
تنبيه : قال
المازري : ألزم الأشياخ
مالكا وابن القاسم على التعليل المعروف : جواز شرائها لغير من أعراه لقصد المعروف كقول ( ش ) ، قال : وليس بلازم ; لأن المعروف يعتبر معه تقدم حق المشتري ، والأجنبي لم يتقدم له حق .
فرع
قال : إذا أعرى ثم باع بقية ثمره من رجل ، وأصل الحائط من آخر جاز له شراء العرية على التعليل بالمعروف ، ويمتنع على التعليل بالضرر ، قال
اللخمي : إذا باع الثمار دون الأصل ، أو الأصل دون الثمار ، أو الثمار من رجل ، والأصل من آخر ، يخرج على التعليل ، ويجوز شراؤها لمن انتقلت إليه الثمرة لصحة المعروف ، ودفع الضرر منه وعنه ، ويمتنع ممن انتقل إليه الأصل إلا على التعليل بالمعروف .
فرع
قال
المازري : وإذا مات المعري والمعرى قام ورثتهما مقامهما .
فرع
قال : من له نخلة في حائط أجاز
مالك وابن القاسم شراءها منه بخرصها لقصد المعروف ، ومنعه في ( الكتاب ) لدفع الضرر لقوة الملك ، ومنعه غيرهما للمعروف لأخذ ملك وليس أصله معروفا ففارق العرية ، وأجازه غير واحد للضرورة ، وعلى قول
مالك هذا يجوز شراؤها بخرصها ممن لم يعره وإن
[ ص: 209 ] كان أجنبيا لقصد المعروف ، ومن نفسه إذا باع المعرى عريته بعد الزهو أو وهبها جاز لمعريه شراؤها بخرصها ممن صارت إليه ، كمن وهبه لسكناه حياته يجوز للمسكن شراؤها عن المشتري أو الموهوب له ، كما له شراؤها منه ، ويمتنع بيعه لها من غيره .
فرع
في الكتاب :
زكاة العرية وسقيها على رب الحائط ، وإن لم تبلغ نصابا إلا مع بقية الحائط ، أعراه شائعا ، أو معينا ، أو جميع الحائط ; لأن لفظ العرية يقتضي ذلك ، ولو تصدق بثمرة حائطه فالزكاة عليه ، ولا يحاسب بها المساكين ; لأن إعطاءه الثمرة ظاهر في تخليصها للمعطى له من الحقوق المتعلقة بها ، بخلاف الهبة كانت معينة أم لا ; لأنها ليست معروفا يناسب الحمل ، والأصل : وجوب الزكاة على
المالك أو الموهوب له ملك ، ولا يجوز
شراء الهبة بخرصها بل بالعين أو العرض ، قال
ابن القاسم : قال أكابر أصحابنا العرية : مثل الهبة ، قال
اللخمي : في ذلك أربعة أقوال : قال
ابن حبيب :
سقي الهبة وزكاتها على الواهب كالعرية ، ويجوز شراؤها بخرصها ; لأن العرية هبة ، وقال
محمد : سقي العرية على المعري ; لأنه وهب ما هو مراح العلل وزكاتها على المعرى ; لأنه
مالك ، قال : والصحيح أن الزكاة والسقي على المعطى ; لأنه ملك كما قاله أصحاب
مالك ، قال صاحب ( المقدمات ) : الفرق بين العرايا والهبات أن العرية تقصد بها المواساة بالثمن لا نفس المعرى ، فلا تجب للمعرى إلا بالطيب ، فإن قبضها قبل ذلك وجب عليه سقيها وزكاتها ، والهبة يقصد بها
[ ص: 210 ] عين الموهوب له ، فخرجت عن ملك الواهب ووجبت للموهوب له بالقبض ، فإن سماها هبة حملها
ابن القاسم على الهبة حتى يتبين قصد العرية ، وعكس
ابن حبيب نظرا للغالب في هذا الباب ، وفي ( الجواهر ) : سبب الخلاف في الزكاة : أن متولي القيام المخاطب بالزكاة ; لأنه لما وليها مع نخله فكأنه التزم ذلك فيه ، وقيل : لأن اللفظ يقتضي ذلك فيتخرج على ذلك ما إذا كانت العرية جملة الحائط .
فرع
قال صاحب ( المقدمات ) : وبما تجب العرية للمعرى أربعة أقوال : القبض كالهبة للآثار كقول
أشهب في الحبس ، وعن
ابن القاسم بالطيب أو بقبض الأصول وإن لم يكن فيها تمر ، في ( المدونة ) بناء على أنه يقصد بها عين المعرى ; لأن من المواساة من حيث الجملة .
فرع
قال
ابن يونس : قال
محمد : إذا باع الثمر بعد جواز بيعه فالسقي على البائع ; لأنه باع تمرا مزاح العلل ، وكذلك بيع الأصل فيه تمر مأبور للبائع ، قال
المخزومي : على المشتري ; لأن السقي أصل النخل ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : إذا كانت العرية أو الهبة بيد المعطى يسقي ذلك فالزكاة عليه ، أو بيد المعرى أو الموهوب يقوم عليها فالزكاة عليه لكمال ملكه بالحوز .
فرع
قال : من أعرى خمسة أوسق فأجيح الحائط إلا ذلك القدر ، قال
أبو الفرج : ذلك للمعرى ; لأنه التزم له ذلك الكيل .
[ ص: 211 ] فرع
في ( الكتاب ) : منح لبن الأنعام أعواما لازم يمتنع الرجوع فيه ، وكذلك الإخدام والإسكان والعرية لقوله تعالى : (
أوفوا بالعقود ) ويجوز شراء الجميع بالعين والعرض والطعام نقدا مؤجلا ، ويجوز شراء سكنى دار لسكنى دار أخرى ، وخدمة عبد بخدمة عبد ; لأنه باب معروف ، وإذا مات المعرى قبل أن يطلع في النخل شيء أو يجوز المعرى عريته ، أو فيها تمر لم يطب لكنه لم يجذ ، أو قبل حوز المنحة أو السكنى أو الإخدام بطل جميع ذلك وهو للورثة ; لقول
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق رضي الله عنه
لعائشة رضي الله عنها لما وهبها جاد عشرين وسقا من تمر : لو كنت حزتيه لكان لك ، وإنما هو اليوم مال وارث حين حضرته الوفاة ، فكان ذلك عاما في سائر التبرعات ، قال صاحب ( التنبيهات ) : قال
ابن حبيب : لا بد من حوز الرقاب ويطلع فيها تمر ، وحمل بعضهم ( الكتاب ) عليه ، وقال
أشهب : حوز أحد الأمرين كاف : إما الرقاب أو طلوع التمر ، وحمل
أبو عمران الكتاب عليه ، قال صاحب ( النكت ) : قال بعض الأندلسيين : قول
ابن القاسم في شراء المنحة بالطعام ضعيف ; لأنه بيع اللبن بالطعام غير يد بيد بخلاف الشاة اللبون المراد رقبتها ، وقال بعض الأندلسيين : بل رقبة الشاة ممنوعة منه فشراؤه تخليص للرقبة ، وشراء هذه الأمور ليس رجوعا في الهبة المنهي عنه ; لأن النهي خاص بهبة الأصول ، وأما المنافع والغلات فلا ; لإباحته شراء العرية .