الركن الرابع :
الصيغة ، وفي الجواهر : هي الصيغة الدالة على تفويض الأمر إليه بعد موته نحو :
وصيت إليك ، وفوضت إليك أمر أموالي وأولادي ، وأسندت أمرهم إليك أو أقمتك مقامي ونحو ذلك ، وإطلاق لفظ الوصية يتناول النوعين وجميع الحقوق ، والتخصيص يقتضي الاقتصار على المذكور ، وأما إن أوصى بنوع ، ولم يذكر أنه مقصور عليه بل سكت : فروى
ابن القاسم التخصيص به ؛ لأن الأصل : المنع حتى يتفق الآذن ، وقاله ( ش ) . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم إذا قال : أنت وصي في هذا لأحد النوعين أو لشيء مما يدخل تحت أحدهما فهو وصية في كل شيء كما لو أطلق ، أما
لو أوصى لأحد وصيين بأمر خاص نحو قضاء الدين ، ولآخر بأمر خاص نحو النظر في أم ولده فليس لأحدهما النظر فيما جعل للآخر اتفاقا ؛ لأن أحد الشخصين قد يصلح لما جعل له دون غيره ، وقد عين غيره لغير ما عين له ، فكان كالعزل عنه بخلاف الأول ، وقال ( ح ) :
إذا أوصى بمخصوص عم ، ولو نهاه عن غيره ، ولو عين لوصيين كل واحد نوعا ، لكل واحد التصرف العام فيما بين صاحبه وغيره ، ولو وصاه بدين بعض الأولاد عم نظره الأولاد ولا نص ، فإنه
لو وصى برد الودائع والغصوب والعواري اختص ، وأصل المسألة : أن الوصية هل هي وكالة تقبل التجزئة أو خلافة وولاية فلا تتجزأ ؟
[ ص: 164 ] لنا : قوله تعالى : (
فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ) وقياسا على الوكالة في الحياة ؛ لأنه يملك التزويج بالوصية ولا يملك بالخلافة ، فدل على أنها وكالة لا خلافة وإمامة ، وقياسا على ولاية الحكم إذا خصصت اختصت . احتجوا على أنها ولاية لا نيابة : إن النيابة تختص بما يملكه المستنيب ، فكيف لا يملك التصرف ، ولهذا إذا جن الموكل بطلت الوكالة لعدم أهلية الموكل ؛ ولأن الوكالة لا تعتبر فيها العدالة بخلافها فتكون ولاية لا نيابة ؛ ولأن الوصي يتعذر عزله إلا بالخيانة ، والوكيل يعزل مطلقا ، ولو جن الوصي لا ينعزل بخلاف الوكيل ؛ ولأنها لا تثبت إلا على عاجز بخلاف الوكالة ؛ ولأنه يملك أن يوكل بخلاف الوكيل ؛ ولأن الشرع لو نص على شيء وسكت عما عداه عم فكذلك هاهنا ؛ ولأنه تصرف بولاية فلا تختص كالأب ؛ ولأنه يستفاد من الموت فلا يتجزأ كالميراث ؛ ولأن قوله : أنت وصيي يعم ، فقوله في قضاء ديني : تأكيد .
والجواب عن الأول : أن الموت لا ينافي صحة الإذن ونفوذ التصرف كقوله : أنت حر بعد موتي إن دخلت الدار يعتق ، والفقه : أن
التصرف المعلق قبل الموت لا ينافيه الموت بخلاف المعلق على الحياة ، ولا تزول ولاية الميت إلا فيما لم يستبقه ، أما ما استبقاه فلا ، وإن قال : أعتقوا عني هذا بقي على ملكه بعد الموت حتى يعتق . وعن الثاني : أنها ثابتة في حق الغير ، والنيابة في حق الغير تشترط فيها العدالة . وعن الثالث : إنه تبطل بالقاضي يعزل بغير جناية ، ثم الفرق : أن الميت يتعذر منه العزل بخلاف الموت .
الركن الرابع : أن
الوصي ليس نائبا عن الطفل ، والوكالة تكون عن العاجز
[ ص: 165 ] والجماد .
وعن الخامس : أن للوكيل أن يوكل فيما لا يتولاه بنفسه وهاهنا هو عاجز بعد الموت فيوصي .
وعن السادس : أن الشرع إذا نهى عن شيء لا يندرج فيما أذن فيه ، وأنتم تقولون هاهنا فحديث الشرع حجة عليكم .
وعن السابع : أن تصرف الأب بالولاية ، وشأنها : عدم الاختصاص كالخلافة والإمامة العظمى ، والوصية ولاية خاصة . . . . . . . . . تخصيص فيه كصيغة الإطلاق في الوصية والنزاع في التخصيص .
وعن السابع : أنه لو قال : أنت وصيي في كذا ، ولست وصيي في كذا ثم ينتقض ذلك بالوكالة فإنها لا تعلم مع وجود غير ما ذكرتموه .
فرع
في الكتاب : فلان وصيي على كذا لشيء عينه اختص بما سماه ، أو على قبض ديوني وبيع تركتي ، أحب إلي أن لا يزوج بناته حتى يرفع للسلطان ، فإن لم يرفع رجوت أن يجوز ،
ولو قال : فلان وصيي حتى يقدم فلان فيكون وصيي جاز ، قال صاحب النكت : إن قدم فلم يرض أو مات في غيبته بقي الأول على وصيته ؛ لأنه مغيى بغاية لم تحصل ، قال
التونسي : الأمر كذلك في الموت ، أما إن قدم فلم يقبل فظاهر الأمر سقوط الوصية لإيقافه على الغيبة ، وقد قدم إلا أن يكون المفهوم إذا قدم وقبل ، قال
اللخمي : قال
أشهب : إذا مات في غيبته لا وصية
[ ص: 166 ] للحاضر ، وينظر السلطان ؛ لأنه مقتضى فعل الميت ، قال
ابن يونس : إذا قال : على قبض ديوني وبيع تركتي قال
أشهب :
له أن يزوج ولا يرفع للسلطان ؛ لأن الناس إنما يقصدون بهذه الألفاظ التنبيه على أصل الوصية لا سيما وهي تقع في الأمراض وأوقات الضرورات المانعة من استيفاء العبارات ، قال
مالك :
لو أوصى بميراث ابنته فلانة الصغيرة أن يرفع إليه ، له تولي بضعها وحسن رفعه للإمام .