[ ص: 81 ] 18136 - وقد مضى قولنا في أن فسخ الحج في العمرة ليس - عند جمهور العلماء - لأحد بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أمروا به .
18137 - ودللنا على أنهم خصوا بذلك على ما ذكرناه من الآثار في ذلك ، وذكرنا العلة الموجبة ( عليه السلام ) أصحابه بفسخ الحج في العمرة ، وأن يحل الحل كله إنما كان ليريهم أن العمرة في أشهر الحج جائزة ، وكانوا يرون ذلك محرما ، فأعلم بجواز ذلك ليدينوا به بغير ما يدينون به في الجاهلية ، ويدركوا في عامهم ذلك ويكونوا متمتعين ؛ لأن الله ( عز وجل ) قد أذن في التمتع بالعمرة إلى الحج ، وإباحته مطلقة ، وكذلك القران والإفراد ، كل ذلك مباح بكتاب الله - تعالى - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولم يأت في الكتاب ولا في السنة أن بعضها أفضل من بعض . فهذا معنى nindex.php?page=hadith&LINKID=954068قول حفصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ما بال الناس حلوا ولم تحلل أنت ) .
[ ص: 83 ] 18142 - وأما nindex.php?page=hadith&LINKID=954071قول حفصة : ( ولم تحلل أنت من عمرتك ) ، فقد ظن بعض الناس أن قولها : من عمرتك لم يقله في هذا الحديث غير مالك . وأظنه رأى رواية من رواه فقصر في ذلك ولم يذكر في الحديث ( من عمرتك ) ، فظن أنه لم يقله غير مالك ; لأنه لم يذكر nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن نافع في حديثه هذا ، وقد ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن مسدد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فلم يذكر فيه : ( من عمرتك ) ، وهي لفظة محفوظة في هذا الحديث من رواية مالك ، وعبيد الله ، وغيرهما عن نافع .
18149 - قال أبو عمر : لم يقم إسناده nindex.php?page=showalam&ids=12349أيوب بن موسى ، والقول فيه قول [ ص: 85 ] مالك ومن تابعه .
18150 - وذكر : ( عمرتك ) وتركه في هذا الحديث سواء ؛ لأنه معلوم أن المأمورين بالحل هم المحرمون بالحج ليفسخوه في عمرة كما تقدم ذكرنا له ، ويستحيل أن يأمر بذلك المحرمين بعمرة ; لأن المعتمر يحل بالطواف والسعي ، والخلاف ليس في ذلك شك عنهم في الجاهلية والإسلام ولا عند من بعدهم . وقد اعتمروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرفوا حكم العمرة في الشريعة ، فلم يكن ليعرفهم شيئا في علمهم بل عرفهم بما أحله الله لهم في عامهم ذلك من فسخ الحج في عمرة فما كانوا جهلوه ، وأنكروه من جواز العمرة في زمن الحج حتى قال بعضهم يتوجه إلى منى ولم يكونوا في الجاهلية يتمتعون بالعمرة إلى الحج ولا يعتمرون في أشهر الحج ، ولا يخلطون عمرة مع حجة ولا يجمعونها فأتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله في الحج بغير ما كانوا عليه في جاهليتهم وصدع بما أمر به ، وأوضح معالم الدين - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله أجمعين .
18154 - قال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : المعتمر يحل من عمرته إذا طاف وسعى ساق هديا أو لم يسق .
18155 - وقال أبو حنيفة : إذا ساق المعتمر في أشهر الحج هديا وهو يريد المتعة لم ينحره إلا بمنى ، وطاف وسعى وأقام إحراما ولا يحل منه شيء ولا يحلق ولا يقصر لأنه ساق معه الهدي فمحله محل الهدي لا يحل حتى ينحر الهدي .
18157 - وحجة مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ومن قال بقولهما ظاهر قول الله - تعالي - فمن تمتع بالعمرة إلى الحج [ البقرة : 196 ] ومعلوم أنه لا يكون متمتعا بالعمرة إلى الحج إلا من حل من إحرامه وتمتع بالإحرام إلى أن يحرم لحجه يوم التروية .
18158 - وأما هدي القران فإنه مانع من الإحلال والفسخ عند الجمهور السلف والخلف إلا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
18159 - وتابعته فرقة إذا لم يسق الهدي جاز له فسخ الحج في العمرة .
18160 - قال على ما قدمنا من مذهبه في ذلك : روى nindex.php?page=showalam&ids=15822خصيف ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، وعطاء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يسق الهدي .
[ ص: 88 ] 18162 - وقد أوضحنا أن فسخ الحج خصوص لهم بالآثار المروية في ذلك ، وعلى هذا لقول الله تعالي وأتموا الحج والعمرة لله [ البقرة : 196 ] وبالله التوفيق .
18163 - قال أبو عمر : وهدي القران يمنع من الإحلال عند جماعة فقهاء الأمصار وجمهور أهل العلم فالأولى بمن يرون الإنصاف ألا يشكوا في حديث حفصة هذا أنه دال على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا مع ما يشهد له من حديث أنس وغيره أنه كان قارنا وقد ذكرناها في باب القران .
18165 - مال إلى ما روى وهذا اللازم له ولغيره أن يقف عند ما علم ، وحكمه على اختيار الإفراد أيضا مع علمه باختلاف الناس في اختيار القران والتمتع .
18166 - والإفراد ما صح عنده عن الخليفتين أبي بكر وعمر ( رضى الله عنهما ) أنهما أفردا الحج ، وعن عثمان مثل ذلك أيضا .
18167 - وكان عمر ينكر ذلك وينهى عنه ويقول : افصلوا بين حجكم وعمرتكم فهو أتم لحج أحدكم أن تكون عمرته في غير أشهر الحج .
[ ص: 89 ] 18168 - فاختيار مالك هو اختيار أبي بكر ، وعمر وعثمان ( رضي الله عنهما ) ، وكان مالك يقول : إذا اختلفت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء فانظروا إلى ما عمل به الخليفتان بعده أبو بكر وعمر ، فهو الحق .
18169 - قال أبو عمر : يعني الأولى والأفضل لا أن ما عداه باطل ؛ لأن الأمة مجتمعة على أن الإفراد والقران والتمتع كل ذلك جائز في القرآن والسنة والإجماع ، وأنه ليس منها شيء باطل بل كل ذلك حق ودين وشريعة من شرائع الإسلام في الحج ، ومن مال منها إلى شيء فإنما مال برأيه إلى وجه تفضيل اختاره وأباح ما سواه .
18173 - وقال بعضهم : قد تأتي ( من ) بالباء كما قال الله ( عز وجل ) يحفظونه من أمر الله [ الرعد : 11 ] أي بأمر الله . يريد ولم تحل أنت بعمرة من إحرامك الذي جئت به مفردا في حجتك .
18175 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن أمية قال : حدثني حمزة قال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=17381يعقوب بن إبراهيم ، قال حدثني هشيم قال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16377عبد العزيز بن صهيب ، nindex.php?page=showalam&ids=15767وحميد الطويل ، ويحيى بن أبي إسحاق ، كلهم عن أنس أنهم سمعوه يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " nindex.php?page=hadith&LINKID=954085لبيك عمرة وحجا " .
18179 - وليس يوجد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه صحيح إخبار عن نفسه أنه أفرد ، ولا أنه تمتع وإنما يوجد عن غيره إضافة ذلك إليه بما يحتمل التأويل .
18180 - وهذا لفظ يدفع الإشكال ، ويدفع الاحتمال ، وبالله التوفيق وهو المستعان .