[ ص: 8 ] 31566 - قال أبو عمر : لم يختلف في إسناد هذا الحديث ، ولا على هشام ، وقد رواه عن هشام : nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=16008وابن عيينة ، nindex.php?page=showalam&ids=17293ويحيى القطان ، وغيرهم ، ورواه أيضا معمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن عروة ، عن زينب ، عن أمها - nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .
31567 - وقد روي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك كله في التمهيد .
[ ص: 9 ] 31568 - وفي هذا الحديث من الفقه :
أن البشر لا يعلمون الغيب ، وإذا كان الأنبياء يعرفون بهذا ، فكيف يصح لأحد دعوى ذلك ؟ وهل يحصل من علم الغيب عند مدعيه إلا التخرص ، والتظنن بالنجامة ، أو بالتكهن ، الذي هو كله إلا يسير منه ظن كذب ; لأن الظن أكذب الحديث ، وأما علم صحيح متيقن متبين ، فلا سبيل إليه ، والله أعلم .
31573 - ولو أقر المقر عنده في مجلس حكمه بما قد استوعب سماعه منه ، ثم جحد المقر إقراره ذلك ، ولم يحضر مجلسه ذلك شهيدان وجب على [ ص: 10 ] القاضي الحاكم القضاء بما سمع حضره أحد أو لم يحضره .
31574 - هذا قول جمهور الفقهاء ، وهو قول الكوفيين ، والشافعيين وغيرهم .
31575 - واستحب مالك - رحمه الله - أن يحضره شاهدان وأجاز في ذلك شهادة العدل ، وغيره ، ولو علم أن ما شهد به الشهود على غير ما شهدوا به أن ينفذ علمه في ذلك دون شهادتهم ، وذلك دليل على أن ذلك استحباب عنده ، والله الموفق للصواب .
31576 - وفي ذلك أيضا رد وإبطال للحكم بالهوى ، وبالظنون أيضا .
[ ص: 12 ] 31584 - وهذا بين ; لأنه لم يأخذ منهم بما علم منهم ، ولا قضى بذلك عليهم ، وقد علم رضاهم .
31585 - وهذا معظم ما يحتج به من لم ير للقاضي أن يقضي بعلمه .
31586 - وأما من رأى للقاضي أن يقضي بعلمه منهم : nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، والكوفي ، وسنذكرهم بعد - إن شاء الله عز وجل .
31587 - فمن حجتهم أنه مستيقن قاطع لصحة ما يقضي به إذا علمه علم يقين ، وليست الشهادة عنده كذلك ; لأنها قد تكون كاذبة ، وواهمة ، وعلمه بالشيء أوكد ; لأنه ينتفي عنه في علمه الشك ، والارتياب .
31588 - وقد أجمعوا أن له أن يعدل ، ويسقط العدول بعلمه ، فكذلك ما علم صحته .
31589 - وأجمعوا أيضا على أنه إذا علم أن ما شهد به الشهود على غير ما شهدوا به أنه ينفذ علمه في رد شهادتهم ، ولا يقضي بشهادتهم ، ويردها بعلمه .
31592 - وحديث عائشة في قصة هند بنت عتبة مع زوجها nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان بن حرب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=955208خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ولم يكلفها بينة ; لأنه علم صدق قولها من قبل زوجها ، وحاله التي عرف منه .
31593 - وقالوا : إنما يقضي بما يسمع فيما طريقه السمع من الإقرار ، والبينة ، وأما ما كان طريقه علمه ، فإنه يقضي فيه بعلمه .
31594 - ولهم في هذا الباب منازعات أكثرها تشغيب .
31595 - والسلف من الصحابة والتابعين مختلفون في قضاء القاضي بعلمه على حسب اختلاف فقهاء الأمصار من ذلك .
31596 - ومما احتج به من قال : إن القاضي يقضي بعلمه ، فيما قضى به علمه مع ما قدمنا ذكره - ما رويناه من طريق غير واحد عن عروة ، وعن مجاهد .
[ ص: 14 ] جميعا بمعنى واحد ، أن رجلا من بني مخزوم استعدى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب على nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان بن حرب ; أنه ظلمه حدا في موضع كذا ، وكذا ، فقال عمر : إني لأعلم الناس بذلك ، وربما لعبت أنا وأنت فيه ، ونحن غلمان ، فإذا قدمت مكة ، فأتني بأبي سفيان ، فلما قدم مكة ، أتاه المخزومي بأبي سفيان ، فقال له عمر : يا أبا سفيان : انهض بنا إلى موضع كذا ، فنهضوا ، ونظر عمر ، فقال : يا أبا سفيان ! خذ هذا الحجر من هنا ، فضعه هاهنا ، فقال : والله لا أفعل ذلك ، فقال عمر : والله لتفعلن ، فقال : لا ، والله لا أفعل ، فقال والله لتفعلن ، فقال : لا أفعل ، فعلاه عمر بالدرة ، وقال خذه - لا أم لك - وضعه هاهنا ، فإنك قديم الظلم ، فأخذ أبو سفيان الحجر ، ووضعه حيث قال عمر ، ثم إن عمر استقبل القبلة ، وقال : اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى غلبت أبا سفيان على رأيه ، فأذللته لي بالإسلام ، قال : فاستقبل القبلة أبو سفيان وقال : اللهم لك الحمد ، الذي لم تمتني حتى جعلت في قلبي من الإسلام ما ذللت به لعمر .
31597 - ففي هذا الخبر قضاء عمر بعلمه فيما قد علمه قبل ولايته .
31598 - وإلى هذا ذهب أبو يوسف ، ومحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، سواء عندهم علم القاضي قبل أن يلي القضاء ، أو بعد ذلك ، في مصره كان أو غير مصره ، له أن يقضي في ذلك كله عندهم بعلمه .
31599 - وقال أبو حنيفة : ما علمه قبل أن يلي القضاء ، أو رآه في غير مصره [ ص: 15 ] لم يقض فيه بعلمه ; لأنه شاهد واحد في ذلك ، وما علمه بعد أن استقضي ، أو رآه بمصره قضى في ذلك بعلمه ; لأنه في ذلك قاض لا يحتاج أن ينضم إليه فيما يقضي به غيره .
31600 - وهذا القول مأخوذ من اجتماع السلف ، وجمهورهم ، على أن ما أقر به المقر عند القاضي ، وهو قاض يومئذ أنه يقضي به .
31601 - واتفق أبو حنيفة ، وأصحابه أن القاضي لا يقضي بعلمه في شيء من الحدود ، لا فيما علمه قبل ولايته ، ولا فيما علمه بعد ذلك ، ولا فيما رآه بمصره ، ولا بغير مصره .
31602 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور : حقوق الناس ، وحقوق الله سواء في ذلك ، والحدود وغيرها في ذلك سواء ، جائز أن يقضي القاضي في ذلك كله بعلمه .
31610 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، وكثير من أصحابنا : إنما ذلك في الأموال .
31611 - وقالوا في رجلين تعمدا الشهادة بالزور على رجل أنه طلق امرأته ، فقبل القاضي بشهادتهما بظاهر عدالتهما عنده وهما قد تعمدا الكذب ، ففرق القاضي بشهادتهما بين الرجل ، وامرأته ، ثم اعتدت المرأة : إنه جائز لأحد الشاهدين أن يتزوجها ، فإنه عالم بأنه كان من شهادته كاذبا .
31612 - وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ; لأنها لما حلت للأزواج في الظاهر كان الشاهد ، وغيره سواء ; لأن القاضي ، وحكمه فرق بينها ، وبين زوجها ، وانقطعت عصمتها منه ، ولولا ذلك ما حلت لزوج غيره .
[ ص: 18 ] 31613 - واحتجوا بحكم اللعان ، وقالوا : معلوم أن الزوجة إنما وصلت إلى فراق زوجها باللعان الكاذب الذي لو علم الحاكم كذبها فيه ما فرق بينها وبين زوجها ، ولا حكم فيها بغير ذلك من وجوب الحد عليها : الجلد ، أو الرجم .
31616 - والصحيح في ذلك ما ذهب إليه مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وجمهور فقهاء المسلمين أنه لا يحل للشاهد بالزور أن يتزوجها وهو عالم بأن زوجها لم يطلقها وكذلك غيره إذا علم لم يحل له ، وبالله التوفيق .