قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن نحل ولده نحلا ، أو أعطاه عطاء ليس بصدقة ، أن له أن يعتصر ذلك ، ما لم يستحدث الولد دينا يداينه الناس به ، ويأمنونه عليه ، من أجل ذلك العطاء الذي أعطاه أبوه ، فليس لأبيه أن يعتصر من ذلك شيئا ، بعد أن تكون عليه الديون ، أو يعطي الرجل ابنه أو [ ص: 312 ] ابنته ، فتنكح المرأة الرجل ، وإنما تنكحه لغناه ، وللمال الذي أعطاه أبوه ، فيريد أن يعتصر ذلك الأب ، أو يتزوج الرجل المرأة ، قد نحلها أبوها النحل ، إنما يتزوجها ويرفع في صداقها لغناها ومالها ، وما أعطاها أبوها ، ثم يقول الأب : أنا أعتصر ذلك ، فليس له أن يعتصر من ابنه ولا من ابنته شيئا من ذلك ، إذا كان على ما وصفت لك .
32959 - وكل ما أريد به - من الهبات - وجه الله تعالى بأنها تجري مجرى الصدقة في تحريم الرجوع فيها .
32960 - وأما الهبات إذا لم يقل الواهب فيها لله ، ولا أراد بهبته الصدقة المخرجة لله عز وجل ، فإن العلماء اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا :
32961 - فمذهب مالك فيما ذكره في كتابه الموطأ على ما أوردناه من تخصيص ترك رجوع الأب في هبته لولده إذا نكحت الابنة ، أو استدان الابن ونحو ذلك على ما تقدم وصفه .
32962 - وأما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فليس لأحد عنده أن يرجع في هبته إلا الوالد ، ثم وقف عن ذلك ، فقال : لو اتصل حديث nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : nindex.php?page=hadith&LINKID=955325لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد ، لقلت به ، ولم أزد واهبا غيره ، وهب لمن يستثيب منه ، أو لمن لا يستثيب منه .
[ ص: 313 ] 32963 - قال أبو عمر : قد وصل حديث nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس nindex.php?page=showalam&ids=15716حسين المعلم ، وهو ثقة ، ليس به بأس .
32969 - وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور .
32970 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : كل من وهب هبة لذي رحم محرمة [ ص: 314 ] كالأخ والأخت ، وابن الإخوة ، والأخوات .
32971 - وكذلك الأعمام والعمات ، والأخوال ، والخالات ، والآباء ، وإن علوا ، والبنين وإن سفلوا ، وكل من لا يحل له نكاحها ، أو كانت امرأة من جهة النسب ، والصهر .
32972 - وكذلك الزوجان إن وهب أحدهما لصاحبه لم يكن للواهب منهم أن يرجع في هبته ، كما ليس للمتصدق أن يرجع في شيء من صدقته ، فإن وهب لغير هؤلاء ، فله الرجوع في هبته ، ما لم تزد في بدنها ، أو يزيد فيها الموهوب له ، وما لم يمت واحد منهما ، وما لم تخرج الهبة من ملك الموهوب له إلى ملك غيره ، وما لم يعوض الموهوب له الواهب عوضا يقبله ، ويقبض منه ، فأي هذه الأشياء كانت فلا رجوع في الهبة معه ، كما لا يرجع في الصدقة ، ولا فيما وهب لذي رحم محرمة منه ، ولا فيما وهب أحد الزوجين لصاحبه .
32973 - وإذا لم تكن هذه الأشياء والشروط التي ذكرنا ، والأوصاف التي وصفنا كان للواهب الرجوع في الهبة ، ولا يرجع عليه إلا بحكم الحاكم له فيها ، أو بتسليم من الموهوب له .
32974 - هذا كله قول أبي حنيفة وأصحابه فيما ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عنهم في مختصره .
32975 - وحجتهم في ذلك - الحديث عن عمر - رضي الله عنه - من رواية مالك وغيره ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين ، عن أبي غطفان ، عن مروان ، عن عمر ، أنه قال : من وهب هبة لصلة رحم ، أو على وجه الصدقة . فسوى بين الهبة لذي [ ص: 315 ] الرحم ، وبين الصدقة .
32976 - وروى الأسود ، عن عمر مثله فيمن وهب لصلة رحم ، أو قرابة .
32977 - وليس في حديث عمر ذكر الزوجين .
32978 - ولا فرق بين الرحم المحرمة ، ولا غير المحرمة ، كما فعل الكوفيون .