مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ومن سلك برا أو بحرا توخى حتى يهل من حذو المواقيت أو من ورائها " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح . إذا
سلك الرجل طريقا لا ميقات له من بر أو بحر ، فعليه أن يتوخى في الميقات ، ويجتهد حتى يحرم بإزائه أو من ورائه ، كما يتوخى في جهة القبلة ، وكما يتوخى الناس في
ذات عرق ، على ما روينا عن
عمر رضي الله عنه ، فإن
سلك من ميقاتين فلهما حالان :
أحدهما : أن يكون أحدهما أقرب إليه من الآخر ، فهذا يتوخى في الذي هو أقرب إليه دون الآخر ، سواء كان أبعد من الحرم أو أقرب : لأن حكم الميقاتين سواء ، وقد اختص هذا بالقرب منه ، فكان أولى مما هو أبعد منه .
والثاني : أن يكون في القرب إليه على سواء ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكونا إلى الحرم أيضا وعلى سواء ، فإذا كان كذلك فقد استوت حالهما في القرب إليه وإلى الحرم ، فليس أحدهما أولى من الآخر ، فيكون فيهما بالخيار ، ويتوخى في أيهما شاء حتى يحرم بإزائه أو من ورائه .
[ ص: 72 ] والضرب الثاني : أن يكونا إليه سواء ، وأحدهما أبعد من الحرم ففيه لأصحابنا وجهان :
أحدهما : أنه يتوخى في الذي هو أبعد من الحرم لما فيه من الاحتياط وكثرة العمل .
والوجه الثاني : وهو الصحيح ، وبه قال جمهور أصحابنا : أنه مخير فيهما يتوخى في أيهما يشاء ، لأن حكم الميقاتين واحد ، وإن كان أحدهما أبعد من الآخر ، فوجب أن يكون حكم اجتهاده فيهما واحدا ، وإن كان أحدهما أبعد ، والله أعلم .