مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو
مات الراهن فأمر الحاكم عدلا فباع الرهن وضاع الثمن من يدي العدل فاستحق الرهن لم يضمن الحاكم ولا العدل لأنه أمين وأخذ
[ ص: 141 ] المستحق متاعه والحق والثمن في ذمة الميت والعهدة عليه كهي لو باع على نفسه فليس الذي بيع له الرهن من العهدة بسبيل " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال .
إذا كان الرهن موضوعا على يدي عدل فليس للعدل بيع الرهن عند محل الحق إلا بتوكيل من الراهن وإذن من المرتهن ، فحينئذ يجوز له بيع الرهن ما بقي الراهن والمرتهن على إذنهما وجواز أمرهما ، فإن مات أحدهما أو تغيرت حاله في جواز أمره لم يكن للعدل أن يبيع إلا بأمر الحاكم ، فإذا ثبت هذا وباع العدل الرهن بإذنهما أو بأمر الحاكم عند موت الراهن منهما فالثمن مضمون على الراهن حتى يقبضه المرتهن .
فلو تلف الثمن في يد العدل فإن كان بتفريط أو تعد فيه ، فالعدل ضامن له ، وإن كان بغير تفريط منه ولا تعد فيه فلا ضمان على العدل : لأنه أمين وهو على مذهب
الشافعي تالف من مال الراهن ، وعلى مذهب
أبي حنيفة أنه تالف من مال المرتهن لأنه مضمون عليه وقد مضى الكلام معه فيه ، فلو
استحق الرهن المبيع في يد مشتريه بعد تلف الثمن في يد العدل كانت عهدة المبيع بالثمن ، من مال الراهن دون المرتهن .
وقال
أبو حنيفة عهدة المبيع في رجوع المشتري بالثمن في مال المرتهن دون الراهن بناء على أصله في أن
ثمن الرهن المبيع مضمونا على المرتهن دون الراهن ، ونحن نبني ذلك على أصلنا في أن ثمن الرهن المبيع مضمون على الراهن دون المرتهن وقد مضى الكلام في الأصل فأغنى عن تجديده في الفرع .
فصل : فإذا ثبت أن رجوع المشتري بالثمن يكون في مال الراهن دون المرتهن فلا يخلو حال الراهن من أحد أمرين :
أحدهما : أن يكون موسرا بدفع الثمن وغيره من قضاء الديون فالمشتري وجميع الغرماء فيه أسوة لأن اتساع المال يمنع من المزاحمة ولا يوجب تقديم بعض الحقوق فصاروا فيه أسوة .
والثاني : أن يكون معسرا يضيق ماله عن دفع الثمن وقضاء الديون وهو محجور عليه بالفلس فالذي نقله
المزني أن المشتري يقدم بدفع الثمن على جميع الغرماء ، ثم يدفع ما بقي إلى الغرماء ، والذي نقله
الربيع وحرملة أن المشتري يكون أسوة الغرماء ، يتحاصون معا فاختلف أصحابنا فيه على طريقين : فمنهم من قال : المسألة على قولين لظاهر النص في الموضعين ، أحدهما ما نقله
المزني أن المشتري يقدم بدفع الثمن على جميع
[ ص: 142 ] الغرماء لمعنيين أحدهما أن المشتري لم يدخل في العقد راضيا بذمته فلا يجوز أن يسوى بينه وبين من راضاه على ذمته ، والثاني أنا لو لم نقدمه به لأدى إلى الامتناع من ابتياع مال المفلس خوفا من استحقاق المبيع ودخول الضرر في تأخير الثمن فوجب تقديمه به كما وجب تقديم المنادي بأجرته والدلال بجعالته ، ليقدم الناس على معاملته ، والقول الثاني ما نقله
الربيع وحرملة أن المشتري أسوة الغرماء لاستوائه وإياهم في تعلق الغرم بذمته ولا يجب تقديم المشتري عليهم وإن لم يرض بذمته بدليل أن المفلس لو جنى على مال رجل فتعلق الغرم بذمته كان أسوة الغرماء وإن لم يرض بذمته .
ومن أصحابنا من حمل اختلاف النص في الموضعين على اختلاف حالين فالموضع الذي نقل منه
المزني أن المشتري يقدم على جميع الغرماء إذا لم يفك الحجر عن المفلس فيقدم المشتري على جميع الغرماء والموضع الذي نقل منه
الربيع وحرملة أن المشتري أسوة الغرماء إذا فك الحجر عنه ثم استحق المبيع من يدي المشتري فصار الثمن مع باقي الديون في ذمته ثم أصاب ما لا يحجر عليه فإن المشتري أسوة الغرماء .