مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو
صالح عنه رجل يقر عنه بشيء جاز الصلح وليس للذي أعطى عنه أن يرجع عليه لأنه تطوع به " .
[ ص: 373 ] قال
الماوردي : وصورتها ما شرحه
الشافعي في " الأم " أن يريد الرجلان الصلح ويكره المدعى عليه الإقرار .
قال
الشافعي رحمه الله : فلا بأس أن يقر رجل عن المدعى عليه ثم يؤدي إلى المدعي ما يتفقان عليه فيكون صحيحا ، وهذا على ضربين :
أحدهما : أن تكون الدعوى حقا في الذمة .
والثاني : أن تكون عينا قائمة .
فإن كانت الدعوى حقا في الذمة جاز أن يصالح أجنبيا عنه بعد الإقرار عنه سواء أذن له في الصلح عنه أو لم يأذن ، لأن هذا الصلح إنما يوجب إسقاط الدين والبراء منه ، وذلك لا يفتقر إلى إذن من عليه الدين ، ألا تراه لو قضى الدين عنه بغير إذن صح ، فكذلك إذا صالح عنه بغير إذنه صح .
وإذا كان كذلك فمن شرط هذا الصلح أن يقر عنه الأجنبي بالحق فيقول : حقك ثابت على فلان فصالحني عنه .
وهل يحتاج أن يقول : وقد أقر عندي به ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه يحتاج أن يقول : حقك ثابت على فلان وقد أقر عندي به ليصح أن يكون عالما بثبوت الحق عليه .
والوجه الثاني : لا يحتاج إلى ذلك ؛ لأنه قد يعلم بذلك عن إقراره تارة وبغير إقراره أخرى .
فإذا أقر فصالح عنه صح الصلح ولزم المصلح عن غيره دفع ما اتفقا على الصلح به ، وبرئ المدعى عليه من المدعي ، ولم يكن للمصالح أن يرجع عليه بما صالح به ما لم يأذن له فيه ؛ لأنه تطوع بالغرم عنه كما لو تطوع بقضاء دينه .
فأما إذا أذن له في الصلح عنه فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يأذن له في الصلح عنه دون الأداء فيقول : صالح عني ، فلا رجوع له بما أداه في الصلح ؛ لأنه غير مأذون له في الأداء فصار متطوعا .
والضرب الثاني : أن يأذن له في الأداء فينظر في إذنه بالأداء ، فإن قال له : صالح وأد لترجع علي ، فله الرجوع عليه ، وإن قال : أد ولم يصرح بالرجوع ففي رجوعه وجهان :
أحدهما : يرجع عليه لإذنه فيه .
والثاني : لا يرجع عليه لأن أمره بالأداء يحتمل أن يكون لمعنى التطوع به ويحتمل أن
[ ص: 374 ] يكون لمعنى الرجوع عليه ، فلم يكن الإذن صريحا في الرجوع به .