الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذ قد وضح ما ذكرنا من حال الأجير المنفرد والمشترك ، فسنذكر حكم كل واحد منهما ؛ أما المنفرد إذا تلف المال من يده فلا يخلو تلفه من أحد أمرين : إما أن يكون بجنايته وعدوانه أو لا ، فإن تلف بجنايته وعدوانه فعليه ضمانه وإن كان في يد مالكه ، ألا ترى أن من جنى على دابة رجل هو راكبها أو على ثياب رجل هو لابسها وجب عليه ضمانها كذلك هذا الأجير . وإن تلف ذلك بغير جناية الأجير ولا عدوانه فلا ضمان عليه : لأن ما تلف في يد أربابه لم يضمن بغير جناية ولا عدوان ، فإن اختلف رب المال والأجير في العدوان ، فالقول قول الأجير مع يمينه ما لم يعلم خلاف قوله : لإنكاره وبراءة ذمته فلا ضمان عليه .

فأما أجرة الأجير فإن كان تلف ذلك قبل عمله فلا أجرة له ، ثم ينظر في الإجارة فإن كانت معقودة على عين ذلك المال بطلت بتلفه وإن كانت مطلقة لم تبطل واستعمله المستأجر في غيره ، وإن كان تلف ذلك بعد عمله فله الأجرة : لأن عمله إذا كان في يد المستأجر فقد حصل قبضه فلزمه الأجرة ، وسواء كان التلف بعدوان الأجير أم لا ، إلا أنه تلف بعدوانه بعد العمل لزمه قيمته معمولا ، ولو تلف قبل العمل لزمه قيمته غير معمول . فلو اختلف الأجير ورب المال في العمل فادعاه الأجير وأنكره المستأجر فالقول فيه قول المستأجر مع يمينه ما لم يعلم خلاف قوله : لأن الأصل أن لا عمل ، فهذا حكم الأجير المنفرد .

التالي السابق


الخدمات العلمية