مسألة : قال
الشافعي : " ولو دخل غلام في صلاة فلم يكملها أو صوم يوم فلم يكمله حتى استكمل خمس عشرة سنة أحببت أن يتم ويعيد ولا يبين أن عليه إعادة . ( قال
المزني ) : لا يمكنه صوم يوم هو في آخره غير صائم ويمكنه صلاة في آخر وقتها غير مصل ، ألا ترى أن من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب أنه يبتدئ العصر من أولها ولا يمكنه في آخر يوم أن يبتدئ صومه من أوله فيعيد الصلاة لإمكان القدرة ولا يعيد الصوم لارتفاع إمكان القدرة ولا تكليف مع العجز "
قال
الماوردي : وهذا كما قال إذا
دخل الصبي قبل بلوغه في صلاة وقته ثم بلغ في تضاعيفها باستكمال خمس عشرة سنة ، أو
دخل في صيام يوم من شهر رمضان ثم بلغ في تضاعيفها بالاحتلام ، أو باستكمال خمس عشرة سنة لم تبطل صلاته ، ولا صيامه ، لكن قال
الشافعي : أحببت أن يتم ويعيد ، فاختلف أصحابنا على ثلاثة مذاهب ، وخالفهم
المزني خلافا رابعا :
أحدها : وهو قول
أبي العباس بن سريج : يتم صلاته ، وصيامه استحبابا . ويعيدهما واجبا فحمل الاستحباب على الائتمام والإيجاب على الإعادة
والمذهب الثاني : وهو قول
أبي إسحاق المروزي أنه يتم صلاته ، وصيامه واجبا ويعيدهما استحبابا ، فحمل الائتمام على الإيجاب والإعادة على الاستحباب
والمذهب الثالث : وهو قول
أبي سعيد الإصطخري : أنه إن كان وقت الصلاة باقيا أعاد واجبا ، وإن كان فائتا أعاد استحبابا ، ولا يعيد الصيام
والمذهب الرابع : وهو قول
المزني أنه يعيد الصلاة واجبا في الوقت وبعد الوقت ، ولا يعيد الصيام ، وفرق بينهما بما سنذكره ، وعلى جميع المذاهب لا تبطل صلاته وصيامه ببلوغه في انتهائها ، وعند
أبي حنيفة استدلالا بأن بلوغه في وقت العبادة يوجب عليه فرضها ، وما فعله قبل بلوغه إما أن يكون نفلا ، أو لا يكون نفلا ، وأيهما كان فلا يجوز أن يسقط به الفرض ، ولأن بلوغ الصبي في حجه لا يسقط حج الإسلام عنه كذلك بلوغه في صلاته ، وصيامه ، لا يسقط فرض الصلاة والصيام عنه ، ولأن التكاليف قد تتعلق ببلوغ الصبي ، وإفاقة المجنون فلما كانت
إفاقة المجنون في بعض الصلاة توجب استئنافها بحدوث التكليف وجب أن يكون بلوغ الغلام في تضاعيف الصلاة يوجب استئنافها بحدوث التكليف
ودليلنا هو أنها عبادة يبطلها الحدث فجاز أن ينوب ما فعله قبل بلوغه كما وجب عليه بعد بلوغه ، كالطهارة . ولأن كل من صح منه الطهارة صح منه فعل الصلاة ، كالبالغ ، ولأنها
[ ص: 89 ] عبادة على البدن طرأ البلوغ فيها على المتلبس بها في وقت يعرض لفواتها فوجب أن يجزئه ، كالصبي إذا أحرم بالحج ثم بلغ قبل عرفة
فأما استدلالهم أن النفل لا ينوب عن الفرض فهذا يفسر على أصلهم بالمصلي في أول الوقت عندهم ، أن صلاته نافلة تنوب عن فريضة على أن ما يمنع من وجوب الفرض عليه إذا كان قد أداه قبل بلوغه ، لا نقول أنها نافلة ، وإنما نقول صلاة مثله
وأما استدلالهم بالحج ، فإن كان بلوغه قبل
عرفة أجزأه باتفاق وإن كان بعد
عرفة لم يجزه لأنه أتى بالحج قبل وقته ، والصلاة أتى بها بعد دخول وقتها ، وأما المجنون فإنه لم يكن في صلاته ، لأنه لا يصح منه مع الجنون أداء عبادة ، ألا ترى أنه لو تطهر لم يجزه ، وقد يصح ذلك من الصبي ، ألا ترى أنه لو تطهر أجزأه باتفاق منا ومن
أبي حنيفة ، وإن خالفنا
داود فمنع من صحة طهارته ، فأما
المزني فإنه ذهب إلى وجوب إعادة الصلاة دون الصيام ، وكان من فرقه بينها أن قال : إنه لا يمكنه صوم يوم فهذا هو في آخره غير صائم ، ويمكنه صلاة هو في آخرها غير مصل ، وكان
أبو إسحاق المروزي يقول : إنما أراد هو في أوله غير صائم ، وأخطأ في العبارة فقال : في آخره . وقال غير
أبي إسحاق : العبارة صحيحة ، ومراده أن يفرق بين الصلاة ، والصيام بأن الصلاة لا يستوعب وقتها ، والصوم يستوعب وقته
والجواب عنه أن يقال : ليس كل يوم لا يمكنه صيام أوله لا يجب عليه صومه وقضاؤه ، ألا ترى أن صوم يوم الشك لا يمكن صيام أوله ويجب عليه ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أهل العوالي في يوم عاشوراء أن من لم يأكل فليصمه فأمرهم بصيام آخره ، ولم يلزمهم صيام أوله ، ثم يقال
للمزني : لو عكس عليك قولك في إيجاب قضاء الصلاة دون الصيام لكان أشبه ، لأن الصيام أدخل في القضاء من الصلاة ، لأن الحائض تقضي الصيام دون الصلاة ، والمسافر يقضي ما أفطر دون ما قصر فكان ما ذكره من الفرق فاسدا