فصل : [ القول في الشروط التي تبطل الصداق دون النكاح ]
وأما القسم الثاني : وهو
ما يبطل الصداق دون النكاح ، فهو كل شرط خالف حكم العقد ، وهو على ضربين :
أحدهما : ما كان من جهة الزوج .
والثاني : ما كان من جهة الزوجة .
فأما ما كان من جهة الزوج : فمثل أن
يتزوجها على ألا يقسم لها مع نسائه ، أو على أن تخفف عنه نفقتها وكسوتها ، أو تنظره بهما .
وفي حكم ذلك : أن يشترط عليها ألا تكلم أباها ولا أخاها ، فهذه كلها شروط باطلة ؛ لأنها من الشروط التي تحلل حراما أو تحرم حلالا ، واختصت بالصداق دون النكاح ؛ لأن مقصود النكاح موجود معها ، فوجب أن يبطل الصداق بها ؛ لأنها قابلت منه جزءا إذ كأنه زادها فيه لأجلها .
وإذا أوجب بطلانها بطل ما قابلها منه وهو مجهول ، صار الباقي بها مجهولا ، فبطل ، وكان لها مهر المثل ، سواء كان أكثر مما سمى أو أقل .
وقال
أبو حنيفة : إن كان مهر المثل أكثر من المسمى لم أوجب لها إلا المسمى . وهو قول
أبي علي بن خيران من أصحابنا ؛ لأنها رضيت به مع اشتراطه عليها ، فلأن ترضى به مع عدم الشروط أولى .
وهذا فاسد ؛ لأن سقوط المسمى بالفساد إذا أوجب الرجوع إلى القيمة استحقت وإن كانت أكثر من المسمى ، كمن قبض عبدا اشتراه بألف على شروط فاسدة شرطها على بائعه ، ثم تلف العبد في يده وقيمته أكثر من ثمنه ، استحقت عليه القيمة دون المسمى وإن كانت القيمة أكثر ، كذلك هاهنا .
وأما ما كان من جهة الزوجة : فمثل أن تشترط عليه ألا يتزوج عليها ، أو ألا يتسرى بالإماء ، وألا يسافر بها .
[ ص: 507 ] فهذه شروط فاسدة ؛ لأنها منعته مما له فعله ، وتوجهت إلى الصداق دون وجود مقصود النكاح معها .
وإذا كان كذلك ، فللصداق المسمى حالان :
أحدهما : أن يكون أقل من مهر المثل ، فيبطل المسمى لبطلان الشروط التي قابلها جزء منه ، فصار به مجهولا ، ويجب لها مهر المثل .
والحال الثانية : أن يكون المسمى من الصداق أكثر من مهر المثل ، ففيما تستحقه وجهان :
أحدهما - وهو الأصح - : أنها تستحق مهر المثل تعليلا بما ذكرنا من بطلان المسمى بما قابله من الشروط التي صار بها مجهولا .
والوجه الثاني - وهو قول
المزني - : أنها تستحق المسمى ؛ لئلا يجتمع عليها بخسان : بخس بإسقاط الشروط ، وبخس بنقصان المهر .
ولأنها لم ترض مع ما شرطت إلا بزيادة ما سمت ، فإذا منعت الشروط لم تمنع المسمى .