الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا ظهار من أمة ولا أم ولد لأن الله عز وجل يقول : والذين يظاهرون من نسائهم كما قال يؤلون من نسائهم والذين يرمون أزواجهم فعقلنا عن الله عز وجل أنها ليست من نسائنا، وإنما نساؤنا أزواجنا، ولو لزمها واحد من هذه الأحكام لزمها كلها " .

قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا ظاهر الرجل من أمته لم يكن مظاهرا وبه قال ابن عمر وهو مذهب أبي حنيفة وأكثر الفقهاء .

وقال مالك يكون مظاهرا وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبه قال الثوري وأبو ثور استدلالا بقوله تعالى وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا [ المجادلة : 2 ] وهو بالظهار من الأمة قائل منكرا وزورا فوجب أن يكون مظاهرا ، ولأنها ذات فرج مباح فصح منها الظهار كالحرة ، ولأنه لما استوى حكم قوله " أنت علي حرام " في الحرة والأمة فوجب أن يستوي حكم الظهار فيهما .

ودليلنا : مع ما استدل به الشافعي رضي الله عنه أن الظهار كان طلاقا للزوجات في الجاهلية فنسخ حكمه عنهن وأثبت محله فيهن ، ولأن ما أثبت التحريم في الزوجة لم يثبت ذلك التحريم في الأمة كالطلاق ، ولأن من لم يلحقها الطلاق لم يلحقها [ ص: 427 ] الظهار كالأجنبية . فأما استدلالهم بأنه قائل منكرا وزورا فكان مظاهرا .

قلنا : المرتد أبلغ في قول المنكر والزور من المظاهر ولا يصير مظاهرا ، وإنما يصير مظاهرا إذا قال منكرا وزورا بلفظ مخصوص في محل مخصوص فلما روعي خصوص اللفظ وجب أن يراعى خصوص المحل، على أن من أصحابنا من قال : أنه لا يكون بذلك في الأمة قائلا منكرا وزورا .

وأما قياسهم على الحرة فالمعنى في صحة الظهار منها وقوع الطلاق عليها فخالفتها الأمة . وأما استدلالهم : باستوائهما في لفظ التحريم فالجواب عنه : أن قوله " أنت علي حرام " يجري مجرى اليمين وهما مستويان في الأيمان فكذلك استويا في لفظ التحريم، والظهار ملحق بالطلاق المختص بأحدهما فلم يستويا فيه والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية