مسألة : قال
الشافعي رضي الله تعالى عنه : " وإن ابتدأت مستحاضة أو نسيت أيام حيضها تركت الصلاة يوما وليلة واستقبلنا بها الحيض من أول هلال يأتي عليها بعد وقوع الطلاق ، فإذا أهل الهلال الرابع انقضت عدتها " .
قال
الماوردي : وهذه المسألة تشتمل على القسم الرابع من أقسام الحيض التي لا تمييز له ولا عادة وهي امرأتان : مبتدأة ، وناسية . فأما
المبتدأة إذا طبق عليها الدم ولم تميز ففيما ترد إليه من قدر الحيض قولان : أحدهما : يوم وليلة ؛ لأنه اليقين . والثاني : ستة أيام أو سبعة أيام ؛ لأنه أغلب ، فأما
العدة فلا يخلو حال طلاقها من أن يكون في الدم أو قبله ، وإن كان في الدم فعلى ضربين : أحدهما : أن يكون في أول الشهر فتنقضي عدتها بثلاثة أشهر كاملة ؛ لأن الأغلب من عادة النساء أن يحضن في كل شهر حيضة ، فيكون كل شهرين من شهورها يجمع
[ ص: 184 ] حيضا وطهرا ، فإذا حاضت ثلاثة أشهر علم أنه قد مضى لها ثلاثة أطهار وثلاث حيض لتنقضي العدة ، وإنما كان الأغلب معتبرا لأمرين : أحدهما : أن الأغلب محصور . والثاني : أن التأكيد يتقابل فيه الأقل والأكثر فغلب فيه حكم الأغلب ، فإذا صح انقضاء عدتها باستكمال ثلاثة أشهر بعد طلاقها فقد حكى
المزني هاهنا وفي جامعه الكبير : " فإذا أهل الهلال الرابع فقد انقضت عدتها " وليس ذلك على قولين كما وهم بعض أصحابنا ، وإنما
المزني عد الهلال الذي طلقت فيه مع رؤيته ؛ لاتصاله بالعدة فجعل العدة منقضية إذا أهل الهلال الرابع ،
والربيع لم يعد الهلال الأول لوقوع الطلاق بعده فصار الهلال الذي انقضت به العدة ثالثا .
والضرب الثاني : أن يطلق بعد أن مضى بعض الشهر ، وبقي بعضه ، فقد اختلف أصحابنا في الباقي من شهرها بعد الطلاق هل يعتد به قرءا أم لا ؟ على وجهين : أحدهما : لا يعتد بباقيه لجواز أن يكون حيضا حتى يستكمل بعده بالشهر ، فتصير عدتها منقضية بالهلال الرابع ، وحملوا نقل
المزني على هذا ونسبوا إليه قول هذا الوجه . والوجه الثاني : - واختاره
أبو علي بن أبي هريرة - أنها تعتد ببقية الشهر قرءا ، لأن اعتبار الأغلب في الشهر أنه يجمع حيضا وطهرا يقتضي تغليب الحيض في أوله والطهر في آخره ، فيصير الطلاق الأخير طلاقا في الطهر فاعتدت به قرءا وتصير عدتها منقضية برؤية الهلال الثالث ، وحملوا نقل
الربيع على هذا ونسبوا إليه هذا الوجه .
وأما
إذا طلقت المبتدأة في الطهر قبل رؤية الدم ثم رأت الدم في شهرها ، ففي اعتدادها بما مضى من طهرها قرءا وجهان : أحدهما : وهو قول
أبي العباس بن سريج : يعتد به قرءا لكونه طهرا ، فإنما استكمل شهرين بعده مع اتصال الدم انقضت عدتها مع انقضائها برؤية الهلال الثالث .
والوجه الثاني : وهو محكي عن
أبي إسحاق المروزي أنه لا يكون قرءا ؛ لأن القرء هو الطهر من الحيضتين يتقدمه أحدهما ويتعقبه الآخر ، فعلى هذا يعتد بثلاثة أشهر من بعد رؤية الدم ولا يحتسب بما بقي من الطهر ، وسواء كان الدم في أول شهر أو في تضاعيفه ، لأن أول الدم هو الحيض يقينا ، فلذلك احتسب بأول شهور الإقراء من وقت رؤيته
[ ص: 185 ]