الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن كانت المتوفى عنها حاملا فعدتها أن تضع حملها سواء تعجل أو تأخر ، وبه قال أكثر الصحابة والتابعين . قال عمر رضي الله عنه : لو وضعت وزوجها على السرير حلت ، وهو قول جمهور الفقهاء ، وحكي عن علي ، وابن عباس أنها تعتد بأقصى الأجلين من الشهور أو الحمل . والدليل على اعتدادها بالحمل ما رواه سعيد بن المسيب عن أبي بن كعب قال : قلت : يا رسول الله هذه الآية مشتركة قال : أي آية ؟ قلت : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ الطلاق : 4 ] المطلقة والمتوفى عنها زوجها ، قال : نعم . وروى الشافعي حديث سبيعة الأسلمية من طرق شتى بألفاظ مختلفة ، ومعان [ ص: 236 ] متفقة أن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا وأنه لقيهم في الطريق فقتلوه فوضعت سبيعة حملها بعد قتل زوجها بنحو من نصف شهر ، فمر بها أبو السنابل بن بعكك وكان يريد خطبتها وقد كرهته : لأنه شيخ وقد خطبها شاب فقال : أراك قد تصنعت للأزواج : وإنما عليك أربعة أشهر وعشر ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال : كذب أبو السنابل : قد حللت قد حللت فانكحي من شئت . وقوله كذب أبو السنابل يعني أخطأ كما قال الشاعر .

كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا

قيل : وكانت هذه القصة بعد حجة الوداع التي لم يعش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها إلا شهورا . وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن بعض الصحابة هذا الحديث ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : يا سبيعة أربعي بنفسك فتأوله من ألزمها أقصى الأجلين أقيمي في ربعك لبقائها في العدة ، وتأوله من قال بانقضاء عدته اسكني أي ربع شئت : لانقضاء عدتها ، وهذا التأويل أصح لما روي أن ابن عباس ، وأبا هريرة اختلفا في عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا . فقال ابن عباس : أقصى الأجلين . وقال أبو هريرة : وضع الحمل فأرسلوا أبا سلمة بن عبد الرحمن إلى أم سلمة فذكرت لهم قصة سبيعة الأسلمية فرجع ابن عباس إلى قولها . واستدل ابن مسعود لذلك بمعنى صحيح ، فقال : لما لحقها التغليظ إذا تأخر ، لحقها التخفيف إذا تقدم ؛ ولأنه لما لم تعتبر الأقراء مع الحمل لم تعتبر الشهور مع الحمل : لأن العدة لا يجمع فيها بين جنسين .

التالي السابق


الخدمات العلمية