فصل : فإذا ثبت ما وصفنا من حال الخنثى في زوال إشكاله أو بقائه على إشكاله
فحكم من أرضعه من الأطفال معتبر بحاله ؛ فإن أجري عليه حكم الرجال ، ونزل له لبن فأرضع به طفلا لم تنتشر به الحرمة ولم يصر ابنا له من الرضاع ؛ لأن الرجل لا يصير بلبنه أبا وقال
الحسين الكرابيسي : يصير بلبنه أبا كالأم تصير بلبنها أما وهذا فاسد من وجهين : أحدهما : أن الله تعالى أثبت بالرضاع أما ، ولم يثبت به أبا فقال
وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم [ النساء : 23 ] .
[ ص: 413 ] والثاني : أن
الحرمة تنتشر عن ارتضاع اللبن المخلوق لغذاء الولد ، وذلك مخصوص فيما خلقه الله تعالى غالبا من ألبان النساء دون الرجال ، وصار لبن الرجل أضعف حكما من لبن البهيمة التي لا ينتشر به حرمة الرضاع ، ولأن الرضاع تبع للولادة فلما كانت المرأة محل الولادة ، وجب أن تكون محل الرضاع ، وإذا لم تنتشر الحرمة بلبن الرجل فقد قال
الشافعي : كرهت له
إن كان المرضع بنتا أن يتزوجها لاغتذائها بلبنه ، فإن تزوجها لم يفسخ نكاحه لعدم حرمته ،
وإن أجري على الخنثى حكم النساء وأبيح له التزويج بالرجال انتشرت الحرمة عن لبنه قبل التزويج وبعده ؛ لأن لبن النساء مخلوق للاغتذاء ، وليس جماع الرجل شرطا فيه وإن كان سببا لنزوله في الأغلب فصار
كالبكر إذا نزل لها لبن فأرضعت به طفلا انتشرت به حرمة الرضاع ، وإن كان من غير جماع فلو حكم بانتشار حرمة اللبن بما
أجري عليه من أحكام النساء وتزوج رجلا ثم ذكر ميله إلى طبع الرجال ، وقال أنا رجل ، نظر فإن كان ذلك بما ادعاه من انتقال الشهوة لم يقبل منه ، لأنه متهوم فيه ، وكان على حكمه الأول في كونه امرأة ، وكان الزوج على نكاحه لكن يقال له : نختار لك في الورع أن تفارقها إن صدقتها ، وإن كان ذلك بالأمارات الظاهرة في البول والمني الذي لا يتهم فيه قبل منه ، ونقل عن أحكام النساء إلى أحكام الرجال وانفسخ نكاح الزوج ، وبطل ما انتشر من حرمة الرضاع ، وكرهناه إن كان الولد بنتا أن يتزوجها وأبيح له أن يتزوج امرأة بعد أن تزوج برجل ،
وإن كان على إشكاله فقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنه إذا فات البيان بالأمارات الظاهرة والباطنة لتكافئها وعدم الشهوة المركوزة في الطبع صار نزول اللبن بيانا ؛ لأنه لا ينزل في الغالب إلا من امرأة فاعتبر الإشكال بالأغلب منهما لا اللبن وأجري عليه أحكام النساء وانتشرت الحرمة عن لبنه ، وقد حكى هذا الوجه
ابن أبي هريرة ، ومن ذهب إلى هذا اختلف عنه في
ظهور اللحية هل يصير بيانا عند عدم البيان ؟ على وجهين : أحدهما : يصير بيانا كاللبن . والثاني : لا يصير بيانا ، لأنه لما لم يكن عدم اللحية دليلا على الأنوثة لم يكن وجودها دليلا على الذكورية ، والذي عليه جمهور أصحابنا وهو الظاهر من مذهب
الشافعي أنه لا يصير اللبن واللحية بيانا ، لأنهما قد يشترك فيهما الجنسان ، وإن كان نادرا فلم يصر بيانا ، وإذا فات البيان ودام الإشكال
وأرضع بلبنه مولودا لم يحكم للبنه بانتشار الحرمة ؛ لجواز أن يكون رجلا ، ولا يعدمها ؛ لجواز أن تكون امرأة ، وكان على الوقف ما بقي على الإشكال ؛ لأن ما من وقت يحدث إلا وقد يجوز أن يحدث فيه ما يزول به الإشكال فلأجل ذلك وقف ، والله أعلم .