فصل : فإذا ثبت تحريم الخمر بنص الكتاب والسنة ،
فيحرم قليلها وكثيرها معا ، صرفا وممزوجة . وحكي عن
الحسن البصري وطائفة من المتكلمين : أنها تحرم إذا كانت صرفا ، ولا تحرم إذا مزجت بغيرها . لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924743حرمت الخمر بعينها ، والسكر من كل شراب . قالوا : وليست الممزوجة بعينها ، فلم يتوجه إليها التحريم . وهذا تأويل فاسد وذلك ظاهر : لما قدمناه من عموم النص في الكتاب والسنة ، ولو حلت بالمزج لبطل مقصود التحريم ، ولجاز إذا ألقي فيها حصاة أو عود أن تحل ، ولتوصل إلى مراد شربها إلى الاستباحة ، ولم يكن للنصوص فيها تأثير ، وسنذكر معنى الحديث من بعد . فإذا تقرر هذا لم يخل حال شاربها من أن يستحل شربها أو لا : فإن شربها مستحلا ، كان كافرا باستحلالها : لأنه استحل ما حرمه النص . فيجري عليه حكم المرتد في القتال إن لم يتب . وإن شربها غير مستحل لم يكفر .
وتعلق بشربها ثلاثة أحكام :
[ ص: 286 ] أحدها : مأثم التحريم . والثاني : الفسق بالخروج من العدالة . والثالث : وجوب الحد على ما سنذكره . وسواء سكر من شربها أو لم يسكر . وزعم قوم أن الحد فيها تعزير ، ويجوز أن يقام عليه ، ويجوز أن يعفى عنه ، وليس كما زعموا ، بل هو حد . روى
شعبة ، عن
قتادة ، عن
أنس ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=924744أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر أربعين . فإن تكرر منه الشرب قبل الحد ، أقيم عليه حد واحد . فإن
تكرر منه الشرب بعد الحد ، كرر عليه الحد ولم يقتل . وروى
الشافعي ، عن
سفيان ، عن
الزهري ، عن
قبيصة بن ذؤيب يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924745إن شرب الخمر فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاقتلوه . قالوا : فأتي برجل قد شرب الخمر فجلده ، ثم أتي به الثانية فجلده ، ثم أتي به الثالثة فجلده ، ثم أتي به الرابعة فجلده ، ووضع القتل فكانت رخصة . ثم قال
الزهري لمنصور بن المعتمر ،
ومخول بن راشد : كونا وافدي
العراق بهذا الحديث وغيره . قال
الشافعي : فالقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره . وإنما قال : وغيره : لأن هذا الحديث مرسل . والمراسيل عنده ليست بحجة ، واختلف فيما أراده بغيره على وجهين : أحدهما : حديث
عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924746لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ، وقتل نفس بغير نفس . وقد أشار إليه
الشافعي في كتاب الأم . والثاني : أراد ما رواه
محمد بن إسحاق ، عن
محمد بن المنكدر ، عن
جابر بن عبد الله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924747من شرب الخمر فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه . فأتي برجل قد شرب الخمر فجلده ، ثم أتي به الثانية فجلده ، ثم أتي به الثالثة فجلده ، ثم أتي به الرابعة فجلده ، ووضع القتل . وقد روى
زكريا الساجي هذا الحديث ، وسمى الرجل
بنعمان .
[ ص: 387 ] وهذا الحديث مسند ، ولم يروه
الشافعي ، وإن أشار إليه . فثبت أن القتل منسوخ ، فهذا حكم الخمر .