الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من تفسير الآيات الأربع في الخمر ، فقد اختلف أهل العلم بأيهما وقع التحريم ؟ على ثلاثة أقاويل : أحدهما : وهو قول الحسن البصري أن تحريم الخمر كان بالآية الأولى في سورة البقرة ، في قوله تعالى : يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير [ البقرة : 219 ] وقرأ حمزة والكسائي : كثير . لأنه ما كثر إثمه لم يجز استباحته ، فوقع بها التحريم ، وكان ما بعدها مؤكدا . والثاني : وهو قول بعض المتأخرين أن تحريم الخمر استقر بالآية التي في سورة الأعراف من قوله تعالى : قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي لما فيها من صريح التحريم ، وفي غيرها من طريق الاحتمال . والثالث : وهو قول قتادة وعليه أكثر العلماء ، أن تحريم الخمر استقر بآية المائدة من قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام إلى قوله : فهل أنتم منتهون . روى عبد الوهاب ، عن عوف عن أبي القموص زيد بن علي ، قال : أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث مرات ، فأول ما أنزل : يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس [ البقرة : 219 ] فشربها قوم ، وامتنع عنها قوم . ثم أنزل الله تعالى : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون [ النساء : 43 ] فامتنعوا عنها ، في وقت الصلاة ، وشربوها في غير وقت الصلاة . ثم أنزل : إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون فقال عمر : انتهينا انتهينا . فاستقر بها التحريم . فروي أن المسلمين قالوا عند تحريمها بهذه الآية : يا رسول الله كيف بإخواننا الذين شربوها ، وماتوا قبل تحريمها ؟ فأنزل الله تعالى : [ ص: 384 ] ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا [ المائدة : 93 ] فيه قولان : أحدهما : من المباحات غير المحرمات . والثاني : من الخمر قبل التحريم إذا ما اتقوا فيه وجهان : أحدهما : في تلقي أمر الله بالقبول . والثاني : في أداء الفرائض . وآمنوا يعني بالله ورسوله . وعملوا الصالحات يعني البر والمعروف . ثم اتقوا وآمنوا في هذه التقوى الثانية وجهان : أحدهما : أن المخاطب بها غير من خوطب بالتقوى في الأولى ، وأن الأولى لمن شربها قبل التحريم ، والثانية لمن شربها بعد التحريم : فلذلك تكرر ذكرها لاختلاف المخاطب بها . والوجه الثاني : أن المخاطب بها واحد ، وإنما تكرر ذكرها : لاختلاف المراد بها . فعلى هذا : في المراد بها وجهان : أحدهما : أن المراد بالأولى فعل الطاعات . والثانية : اجتناب المعاصي . والوجه الثاني : أن المراد بالأولى عمل الفرائض ، وبالثانية عمل النوافل ثم اتقوا وأحسنوا في هذه التقوى الثالثة ثلاثة أوجه : أحدها : أنها الإقامة على التقوى . والثاني : أنها تقوى الشبهات . والثالث : أنها إثابة المحسن ، والعفو عن المسيء . وحكي عن قدامة بن مظعون أنه استباح الخمر بهذه الآية [ المائدة : 93 ] وقال : قد اتقينا وآمنا ، فلا جناح علينا فيما طعمنا . وأن عمرو بن معد يكرب استباحها : لأن الله تعالى قال فهل أنتم منتهون ثم سكت وسكتنا . فرد المسلمون عليهما : لفساد تأويلهما فرجعا . ولم يكن لخلافهما تأثير فصار الإجماع منعقدا على تحريمها بنص الكتاب ثم أكده نص السنة . وروى الشافعي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال : كل شراب أسكر فهو حرام وروى الشافعي ، عن عبد المجيد ، عن ابن جريج ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 385 ] قال : كل مسكر حرام . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : شرب الخمر أم الخبائث ، وإن خطيئة شربها لتعلو الخطايا ، كما أن شجرها يعلو الشجر . وروي عن عبد الله بن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وشاربها وآكل ثمنها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية