مسألة : قال
الشافعي : " وإذا
خاف رجل نشوز امرأته فضربها فماتت ، فالعقل على العاقلة : لأن ذلك إباحة وليس بفرض " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، يجوز
للرجل إذا خاف نشوز امرأته أن يضربها : لقول الله تعالى :
واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن .
وهذا
الضرب مباح على وجه التأديب ، والاستصلاح ، لم يرد الشرع بتقديره ، ولم يجز أن يبلغ به أدنى الحد ، فصار أكثره تسعة وثلاثين كالتعزير . فأما جنس ما يضرب به فهو الثوب والنعل ، وأكثره العصا ، ولا يجوز أن يكون بالسوط : لخروجه عن العرف ولنقصه عن أحكام الحدود . فإن ضربها فأفضى الضرب إلى تلفها . . . . روعي الضرب ، فإن كان خارجا عن العرف متلفا مثله في الغالب ، فالقود عليه واجب ، وإن كان جاريا على العرف غير متلف في الغالب ، كانت عليه الدية ، تتحملها عنه العاقلة : لأنه ضرب أبيح على وجه الاستصلاح يتوصل إليه بالاجتهاد ، فوجب أن يكون التلف به مضمونا ، كما ضمن
عمر جنين المجهضة : لأن الاستصلاح يكون مع بقاء النفس ، فإذا صار متلفا لم يكن استصلاحا .
فإن قيل : فيقتصر على اعتبار هذا التعليل ، أن يكون الرامي لمن اطلع عليه من شق باب فقلع عينه أن يضمنها : لأنه استباح الرمي استصلاحا . قيل : لا يضمن عينه : لأن محل الرمي قد تعين في العين ، فلم يضمنها ، وليس كالضرب الذي لا يتعين في موضع من البدن .
فإن قيل : على اعتبار هذا التعليل يقتضي أن يكون من دفع رجلا عن نفسه بضرب أفضى إلى تلفه ، أن يكون ضامنا لنفسه : لأن ضربه يتعين في موضع من بدنه . قيل : لا يضمنه : لأن قتله مباح له إذا كان لا يندفع عنه إلا بالقتل ، فلم يكن كغيره من ضرب التأديب المقصور على الاستصلاح ، وهكذا ضرب المعلم والأب للصبي : لأن
[ ص: 424 ] المقصود به الاستصلاح والتأديب ، فإذا أفضى إلى التلف كان مضمونا بالدية .
فإن قيل : فيقتضي على اعتبار هذا التعليل أن يكون ضرب الضارب إذا أفضى إلى تلف الدابة أن يضمنها . قيل : لا يضمنها : لأنه لا يستغنى عن ضربها بغيره من قول أو زجر ، وقد يستغنى عن ضرب الصبي بالقول والزجر ، فتعين ضرب الدابة فلم يضمنها ، ولم يتعين ضرب الصبي فضمنه .