مسألة : قال
الشافعي : " ولو
عزر الإمام رجلا فمات ، فالدية على عاقلته ، والكفارة في ماله " .
قال
الماوردي : أما
التعزير : فتأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود . والكلام فيه مشتمل على فصلين :
أحدهما : في صفته .
والثاني : في حكمه .
فأما صفته : فتختلف باختلاف الذنب ، واختلاف فاعله ، فيوافق الحدود في اختلافه باختلاف الذنوب . ويخالف الحدود في الفاعل ، فيختلف التعزير باختلاف الفاعل ، فيكون تعزير ذي الهيئة أخف من تعزير ذي السفاهة .
ويستوي في الحدود ذو الهيئة وذو السفاهة : لأن
الحدود نصوص فاستوى الكافة فيها .
والتعزير اجتهاد في الاستصلاح ، فاختلف الناس فيه باختلاف أحوالهم .
روت
عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924795تجافوا لذوي الهيئات عن عثراتهم .
وإذا كان كذلك نزل التعزير باختلاف الذنوب واختلاف فاعليها ، على أربع مراتب :
فالمرتبة الأولى : التعزير بالكلام .
والمرتبة الثانية : التعزير بالحبس .
والمرتبة الثالثة : التعزير بالنفي .
ثم المرتبة الرابعة : التعزير بالضرب ، يندرج ذلك في الناس حسب منازلهم . فيكون تعزير من جل قدره بالإعراض عنه . وتعزير من دونه بالتعنيف له . وتعزير من
[ ص: 425 ] دونه بزواجر الكلام . وغايته الاستخفاف الذي لا قذف فيه ولا سب . ثم يعدل عن ذلك إلى المرتبة الثانية ، وهو الحبس ينزلون فيه على حسب منازلهم ، وبحسب ذنوبهم . فمنهم من يحبس يوما ، ومنهم من يحبس أكثر منه إلى غاية غير مقدرة ، بقدر ما يؤدي الاجتهاد إليها ، ويرى المصلحة فيها .
وقال
أبو عبد الله الزبيري من أصحاب
الشافعي يتقدر غايته بشهر للاستبراء والكشف ، وبستة أشهر للتأديب والتقويم . ثم يعدل بمن دون ذلك إلى الرتبة الثالثة ، وهي النفي والإبعاد . وهذا
والحبس فيمن تعدت ذنوبه إلى اجتذاب غيره إليها ، واستضراره بها ، واختلف في غاية نفيه وإبعاده .
فظاهر مذهب
الشافعي : أنه يقدر الأكثر بما دون السنة ولو بيوم : لئلا يصير مساويا لتغريب السنة في الزنا .
وظاهر مذهب
مالك : أنه يجوز أن يزاد فيه على السنة ، بما يرى أسباب الاستقامة ، ثم يعدل عن دون ذلك إلى الضرب ، ينزلون فيه على حسب ذنوبهم .
واختلف في أكثر ما ينتهي إليه ضرب التعزير .
فمذهب
الشافعي : أن أكثره في الحر تسعة وثلاثون ، وفي العبد تسعة عشرة ، ينتقص لينقص عن أقل الحدود في الخمر ، وهو أربعون في الحر ، وعشرون في العبد .
وقال
أبو حنيفة : أكثره تسعة وثلاثون في الحر والعبد .
وقال
مالك : لا حد لأكثره ، ويجوز أن يزيد على أكثر الحدود .
وقال
أبو عبد الله الزبيري :
تعزير كل ذنب مستنبط من المشروع في جنسه ، فأعلاه فيمن تعرض لشرب الخمر تسعة وثلاثون : لأن حد الخمر أربعون . وأعلاه فيمن يعرض بالزنا خمسة وسبعون : لأن حد القذف ثمانون ، ثم جعله معتبرا باختلاف الأسباب في التعريض بالزنا ، فإن وجده ينال منها ما دون الفرج ضربه أكثر للتعزير وهو خمسة وسبعون سوطا ، وإن وجدا عريانين في إزار قد تضاما أنهما لا حائل بينهما ، ضربا ستين سوطا .
فإن وجدا عريانين في إزار غير متضامين : ضربا خمسين سوطا ، وإن وجدا في بيت مبتذلين قد كشفا سوءاتهما ضربا أربعين سوطا ، وإن وجدا فيه مستوري السوءة ضربا ثلاثين سوطا ، وإن وجدا في طريق متحادثين بفجورهما ضربا عشرين سوطا ، وإن وجدا فيه يشير كل واحد منهما إلى الآخر بالريبة ضربا عشرة أسواط .
وإن وجدا فيه وكل واحد منهما يتبع صاحبه ضربا خفقات ، على غير هذا فيما عداه .
[ ص: 426 ] وقال
أبو يوسف :
أكثر التعزير خمسة وسبعون من غير تفصيل ولا استنباط من ذنوب الحدود .
وما قاله
الشافعي : أظهر لأمرين :
أحدهما : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
من بلغ بما ليس بحد حدا ، فهو من المعتدين .
والثاني : أنه أقل ما قيل فيه . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
جنب المؤمن حمى .
وأما
إشهار المعزر في الناس فجائز إذا أدى الاجتهاد إليه : ليكون زيادة في نكال التعزير ، وأن يجرد من ثيابه إلا قدر ما يستر عورته ، وينادى عليه بذنبه إذا تكرر منه ، ولم يقلع عنه . ويجوز أن يحلق شعر رأسه ، ولا يجوز أن يحلق شعر لحيته . واختلف في جواز تسويد وجهه على وجهين :
يجوز أحدهما ، ويمنع منه في الآخر . ويجوز أن
يصلب في التعزير حيا :
قد صلب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على جبل يقال له أبو ناب ، ولا يمنع إذا صلب من طعام وشراب ، ولا يمنع من الوضوء للصلاة ، ويصلي مومئا ، ويعيد إذا أرسل ، ولا يتجاوز صلبه أكثر من ثلاثة أيام .