فصل : ولما دنا مبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبب إليه
الخلوة في غار حراء ، فكان يؤتى بطعامه وشرابه فيأكل منه ، ويطعم المساكين ، حتى ظهرت علامات نبوته واختلف فيها ، فحكي عن
الشعبي ،
وداود بن عامر أن الله تعالى قرن
إسرافيل بنبوة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة سنين ، يسمع حسه ولا يرى شخصه ، ويعلمه الشيء بعد الشيء ، ولا ينزل عليه القرآن ، فلما مضت ثلاثة سنين قرن لنبوته
جبريل - عليه السلام - فنزل عليه القرآن .
وروى
عروة بن الزبير ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=924833عن أبي ذر الغفاري قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أول نبوته فقال : " يا أبا ذر أتاني ملكان وأنا ببطحاء مكة ، فوقع أحدهما في الأرض ، والآخر بين السماء والأرض ، فقال أحدهما لصاحبه أهو هو ؟ قال : هو هو ، قال : فزنه برجل من أمته فوزنت برجل فرجحته ، ثم قال : زنه بعشرة ، فوزنت بعشرة فوزنتهم ، ثم قال : زنه بمائة ، فوزنني بمائة فرجحتهم ، ثم قال : زنه بألف فوزنني فرجحتهم ، فجعلوا ينتشرون علي من كفة الميزان قال : فقال : أحدهما للآخر : لو وزنته بأمته لرجحها ، ثم قال أحدهما لصاحبه : شق بطنه ، فشق بطني ، ثم قال : شق قلبه فشق قلبي ، فأخرج منه مغمز الشيطان ، وعلق الدم ، ثم قال : اغسل بطنه غسل الإناء ، واغسل قلبه غسل الملاءة ، ثم دعي بالسكينة كأنها وجه هرة ، فأدخلت قلبي ، ثم قال : خط بطنه ، فخاطا بطني وجعلا الخاتم بين كتفي فما هو إلا أن وليا عني ، فكأنما أعاين الأمر معاينة . فكان هذا مقدمة نبوته ، وهذا قول ثان .
nindex.php?page=hadith&LINKID=924834وقالت عائشة رضي الله عنها : أول ما ابتدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصادقة تجيء مثل فلق الصبح حتى نزل عليه جبريل .
[ ص: 8 ] فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=924835حين نزل عليه جبريل أنه قال : فغتني غتة وقال : اقرأ قلت وما أقرأ ؟ قال : فغتني ثانية ، وقال : اقرأ . قلت : وما أقرأ ؟ قال : اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى قوله : علم الإنسان ما لم يعلم [ العلق : 1 ، 2 ] .
وهذا قول ثالث ، وليس في هذه الروايات الثلاث تعارض يمنع بعضها عن بعض ، والله أعلم بصحة ذلك في اجتماع وانفراد .
nindex.php?page=hadith&LINKID=924836ولما عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حراء ، ودخل على nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة وحدثها ما كان ، وقال لها : إني أخاف أن يكون قد عرض لي ، فقالت : كلا ما كان ربك يفعل ذلك بك ، وأتت nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة إلى " ورقة بن نوفل " وكان ابن عمها ، وخرج في طلب الدين وتنصر وقرأ التوراة ، والإنجيل ، وسمع ما في الكتب ، فأخبرته بما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : هذا هو الناموس الذي أنزل على موسى ، ولئن كنت صادقة فإن زوجك محمدا نبي هذه الأمة ، وليلقين من أمته شدة : فإنه ما بعث نبي إلا عودي ، ولئن عشت له لأؤمنن به ، ولأنصرنه نصرا مؤزرا .
فكانت هذه الحال الثانية من أحوال نبوته ، ولم يؤمر فيها بإنذار ، ولا رسالة .
ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=924837لما عاد إلى منزله قال لخديجة : دثروني وصبوا علي ماء باردا ، فدثروه ، فنزل عليه جبريل - عليه السلام - وقال : يا محمد ، أنت رسول الله ، وأنا جبريل ، وأنزل عليه : ياأيها المدثر قم فأنذر إلى قوله : والرجز فاهجر [ المدثر ]
فكانت هذه الحال الثالثة التي تمت بها نبوته ، وتحققت بها رسالته ، وكان ذلك في يوم الاثنين من شهر رمضان ، وهو ابن أربعين سنة في قول الأكثرين ، وفي قول فريق : ابن ثلاث وأربعين .
قال
هشام بن محمد : أول ما تلقاه
جبريل ليلة السبت وليلة الأحد ثم ظهر له برسالة الله يوم الاثنين .
وروى
أبو قتادة nindex.php?page=hadith&LINKID=924838عن عمر بن الخطاب قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الاثنين فقال : ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه النبوة .
واختلفوا في أي اثنين كان من شهر رمضان .
فقال
أبو قلابة : كان في الثاني عشر من شهر رمضان ، وقال
أبو الخلد : كان في الرابع والعشرين منه .
[ ص: 9 ] ثم
أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة بما نزل عليه فقالت له : يا ابن عم ، هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي أتاك إذا جاءك ؟ قال : نعم . قالت : فأخبرني به إذا جاءك ، فجاء له جبريل ، فقال لها : يا nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة هذا جبريل قد جاءني . قالت : قم فاجلس على فخذي اليسرى : فجلس عليها ، فقالت : هل تراه ؟ قال نعم . قالت : تحول إلى فخذي اليمنى ، فتحول إليها ، فقالت : هل تراه ؟ قال : نعم . قالت : فتحول في حجري ، فتحول في حجرها فقالت هل تراه ؟ قال : نعم . فتحسرت ، وألقت خمارها وهو جالس في حجرها ، فقالت هل تراه ؟ قال لا . فقالت : يا ابن عم اثبت ، وأبشر ، فوالله إنه لملك ، وما هو بشيطان ، وآمنت به ، فكانت أول من أسلم من جميع الناس .