[ ص: 275 ] باب
إظهار دين النبي على الأديان كلها من كتاب الجزية
قال
الشافعي : - رحمه الله تعالى - : قال الله تعالى :
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون . وروي مسندا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925110إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ، ( وقال ) :
ولما أتى كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى مزقه فقال - صلى الله عليه وسلم - : يمزق ملكه قال : وحفظنا أن
قيصر أكرم كتابه ووضعه في مسك فقال - صلى الله عليه وسلم - يثبت ملكه ( قال
الشافعي ) - رحمه الله - : ووعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس فتح
فارس والشام ، فأغزى
أبو بكر الشام على ثقة من فتحها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ففتح بعضها وتم فتحها في زمن
عمر ، وفتح
عمر - رضي الله عنه -
العراق وفارس ( قال
الشافعي ) - رحمه الله تعالى - : فقد أظهر الله دين نبيه - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأديان بأن أبان لكل من تبعه أنه الحق وما خالفه من الأديان فباطل ، وأظهره بأن جماع الشرك دينان : دين
أهل الكتاب ، ودين الأميين فقهر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمتين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها ، وقتل من
أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين ، وجرى عليهم حكمه - صلى الله عليه وسلم - قال : فهذا ظهوره على الدين كله ، قال : ويقال ويظهر دينه على سائر الأديان حتى لا يدان لله إلا به ، وذلك متى شاء الله ( قال ) : وكانت
قريش تنتاب
الشام انتيابا كثيرا ، وكان كثير من معاشهم منه ، وتأتي
العراق ، فلما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خوفها من انقطاع معاشها بالتجارة من
الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام ، مع خلاف ملك
الشام والعراق لأهل الإسلام ، فقال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925112إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، فلم يكن بأرض
العراق كسرى ثبت له أمر بعده ، وقال
nindex.php?page=hadith&LINKID=925113إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، فلم يكن بأرض
الشام قيصر بعده وأجابهم - عليه الصلاة والسلام - على نحو ما قالوا وكان كما قال - عليه السلام - وقطع الله
الأكاسرة عن
العراق وفارس وقيصر ومن قام بعده
بالشام ، وقال في
قيصر : يثبت ملكه ، فثبت له ملكه ببلاد
الروم ، وتنحى ملكه عن
الشام وكل هذا متفق يصدق بعضه بعضا " .
[ ص: 276 ] قال
الماوردي : وهذا الباب أورده
الشافعي ، وليس من الفقه ، ليوضح به صدق الله تعالى في وعده ، وصدق رسوله في خبره ، ليرد به على من ارتاب بهما ، فصار تاليا للسير .
فأما كتاب الله تعالى ، فقال :
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، [ التوبة : 33 ] . أما قوله :
بالهدى ودين الحق ففيه ثلاث تأويلات :
أحدها : أن الهدى هو دين الحق ، وإنما جمع بينهما لتغاير لفظيهما ، ليكون كل واحد منهما تفسيرا للآخر .
والتأويل الثاني : معناه أنه أرسله بالهدى إلى دين الحق : لأن الرسول هاد ، والقرآن هداية ، والمأمور به هو دين الحق .
والتأويل الثالث : أن الهدى هو الدليل ، ودين الحق هو المدلول عليه .
وأما قوله :
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون [ التوبة : 33 ] . فقد دفعه المتشككون في أديانهم ، وقالوا : قد بقيت أطراف الأرض من
الروم ،
والترك ،
والهند ،
والزنج ، وغيرهم من الأمم القاصية ، ما أظهر دينه على أديانهم ، فلم يصح هذا الموعد .
والجواب عن هذا القدح : أن أهل التأويل قد اختلفوا في هاء الكناية التي في قوله :
ليظهره على الدين كله إلى ماذا تعود ؟ على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تعود إلى الهدى .
والثاني : أنها تعود إلى دين الحق وحده .
والثالث : أنها تعود إليهما ، وهو الأظهر .
فأما الهدى ففي معنى إظهاره ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه إظهار دلائله ، وحججه ، وقد حقق الله فعل ذلك ، فإن حجج الإسلام أظهر ودلائله أقهر .
والوجه الثاني : أنه إظهار رسوله صلى الله عليه وسلم وقد حقق الله تعالى ذلك ، فإنه ما حارب قوما إلا انتصف منهم ، وظهر عليهم .
والوجه الثالث : أنه بقاء إعجازه ما بقي الدهر ، فإن معجزة القرآن باقية على مرور الأعصار ، ومعجزة
موسى فلق البحر ،
وعيسى في إحياء الموتى ، منقطع لم يبق .
وأما الدين ، ففي إظهاره على الدين كله ثلاثة أوجه :
[ ص: 277 ] أحدها : أن إظهاره هو انتشار ذكره في العالمين ، ومعرفة الخلق به أجمعين ، وهذا موجود : لأنه لم يبق في أقطار الأرض أمة إلا وقد علمت بدين الإسلام ، ودعوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - إليه ، وهو
بالحجاز ، وهو أحد التأويلات في قوله تعالى :
ورفعنا لك ذكرك ، [ الشرح : 4 ] .
والوجه الثاني : أن إظهاره هو علوه على الأديان كلها ، فهو طالب وغيره مطلوب ، وقاهر وغيره مقهور ، وغانم وغيره مغنوم ، وزائد وغيره منقوص ، وهذا ظاهر موجود ، قال صلى الله عليه وسلم :
الإسلام يعلو ولا يعلى ، ويزيد ولا ينقص .
والوجه الثالث : أن إظهاره على الأديان كلها سيكون عند ظهور
عيسى ابن مريم ونزوله من السماء حتى لا يعبد الله تعالى بغيره من الأديان كما قال تعالى :
وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ، [ النساء : 159 ] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925114زويت لي الأرض ، فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ، ومعنى زويت : أي جمعت .