فصل :
وما أوجب الاستنجاء على ضربين : نادر ، ومعتاد ، فالمعتاد كالغائط والبول فهو مخير في الاستنجاء منه بين الأحجار والماء ، والنادر كالمذي والودي ودم الناصور ، والقيح . ففي جواز
استعمال الأحجار فيه قولان :
أحدهما : يجوز قياسا على المعتاد .
والثاني : لا يجوز فيه إلا الماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنضح الماء على المذي ، ولأنه نادر مما لا يتكرر غالبا في محله فأشبه نجاسة البدن ، فأما دم الحيض فمعتاد ودم الاستحاضة فنادر .
فصل : فإذا ثبت أنه مخير بين الأحجار والماء فإن استعمل الماء وحده أجزأه ، روى
عطاء بن أبي ميمونة عن
أنس بن مالك nindex.php?page=hadith&LINKID=920730أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا فقضى حاجته وخرج علينا [ ص: 161 ] وقد استنجى بالماء ، وإن استعمل الأحجار وحدها واقتصر عليها أجزأه ، وقال
أبو حنيفة : إن كان كقدر الدرهم لم يلزمه استعمال الأحجار ، وإن كان أكثر من الدرهم لزمه استعمال الماء ولم يجزه الأحجار فلم يجعل في الاستنجاء موضعا يلزم استعمال الأحجار فيه ، وفيما مضى دليل عليه كاف ، وحكي عن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كره ذلك ومنع منه إلا في حال ضرورة وقال : قد كان القوم يبعرون بعرا وأنتم تثلطون ثلطا فأتبعوا الحجارة الماء ولعله رضي الله عنه منع من استعماله فيما انتشر عن السبيلين .
وإذا كان الأمر على ما ذكرنا فلا فرق في استعمال الأحجار بين الحضر والسفر مع وجود الماء وعدمه ، والعدد معتبر في استعمالها وهو ثلاث لا يجزئه أقل منها .
وقال
مالك وداود : العدد غير معتبر وإنما الإنقاء هو المعتبر فإذا أنقى بحجر واحد أجزأه استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920731 " من استجمر فليوتر . واسم الوتر يقع على المرة ولأنه لم يكن العدد معتبرا في الماء الذي هو أصل فأولى ألا يكون معتبرا في الأحجار التي هي فرع ، ولأنه قد وجد الإنقاء فوجب أن يجزئه كالثلاث .
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم :
" وليستنج بثلاثة أحجار " ، وهذا أمر ، وحديث
سلمان :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920732لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار ، وروى
جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920733 " إذا استنجى أحدكم فليستجمر ثلاثا ، وحديث
خزيمة بن ثابت قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920734سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء فقال : بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع وروى
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920735 " إذا استجمر أحدكم فليوتر ثلاثا " وروى
أبو رزين الباهلي ، عن
مالك بن يخامر الباهلي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920736 " الاستجمار تو فإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتو " والتو : الوتر يريد به ثلاثا .
ولأنها نجاسة شرع إزالتها بعدد فوجب أن يستحق منها ذلك العدد كالولوغ .
فأما الجواب عن قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920731 " من استجمر فليوتر " فهو أن عمومه مخصوص بقوله :
وليستنج بثلاثة أحجار .
[ ص: 162 ] وأما الجواب عن استدلالهم استدلاله بالماء فهو أنه ليس بأصل للأحجار على أن الماء لما اعتبرت فيه إزالة الأثر لم يفتقر إلى العدد ، والأحجار لما لم يعتبر فيها إزالة الأثر افتقرت إلى العدد .
وأما استدلالهم بالإنقاء فمع الإنقاء تعبد يعتبر فيه العدد كالولوغ وعدد الإقراء .
فصل : فأما قول
الشافعي بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم ، ففي الرجيع لأصحابنا تأويلان .
أحدهما : أنه النجو الذي قد رجع عن الطعام فصار نجسا فعلى هذا يكون استثناء من مضمر دل عليه مظهر وتقديره وليستنج بثلاثة أحجار وما قام مقامها ليس فيها رجيع ولا عظم .
والثاني : أن الرجيع هو الحجر الذي قد استعمل مرة فصار راجعا عن الموضع النجس فعلى هذا يكون تقدير الكلام يستنجي بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم . والله أعلم .