الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : وجوب الاستنجاء

                                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن جاء من الغائط أو خرج من ذكره أو من دبره شيء فليستنج بماء أو يستطيب بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال الاستنجاء واجب .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : الاستنجاء ليس بواجب والصلاة بتركه مجزية ، وجعل محل الاستنجاء مقدارا يعتبر به سائر النجاسات وحده بالدرهم البغلي استدلالا برواية أبي سعيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من اكتحل فليوتر ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن استجمر فليوتر ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " ، فلما قرنه بالاكتحال ووضع الحرج عن تاركه دل على عدم إيجابه ، ولأنها نجاسة لا يلزمه إزالة أثرها فوجب أن لا يلزمه إزالة عينها كدم البراغيث .

                                                                                                                                            ولأنها نجاسة لا تجب إزالتها بالماء فلم تجب إزالتها بغير الماء قياسا على الأثر . ودليلنا عموم قوله تعالى : والرجز فاهجر [ المدثر : 5 ] ولم يفرق ورواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما أنا لكم مثل الوالد إلى قوله فليستنج بثلاثة أحجار " . وهذا أمر يقتضي الوجوب وروى عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه " ، فلما أمر بالأحجار وعلق الإجزاء بها دل على وجوبها وعدم الإجزاء بفقدها ، ولأنها نجاسة يقدر في الغالب على إزالتها من غير مشقة فاقتضى أن تكون إزالتها واجبة قياسا على ما زاد على قدر الدرهم ، [ ص: 160 ] ولأن كل ما منع من الصلاة إذا زاد على قدر الدرهم منع منها وإن نقص عن الدرهم قياسا على ما لم يصبه الماء من أعضاء الحدث ، ولأنها طهارة بمائع أقيم فيها الجامد مقامه فاقتضى أن تكون واجبة كالتيمم .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن قوله : من استجمر فليوتر ومن لا فلا حرج من وجهين :

                                                                                                                                            أحدها : أن قوله " ومن لا " عائد إلى الإيتار فإذا تركه إلى الشفع فلا حرج عليه .

                                                                                                                                            والثاني : أنه عائد إلى ترك الأحجار إلى الماء فلا حرج فيه ، وأما قياسهم على دم البراغيث فمنتقض على أصلهم بالمني يجب عندهم إزالة عينه دون أصله ، ثم المعنى في دم البراغيث لحوق المشقة في إزالته وكذلك قياسهم على الأثر فالمعنى فيه أنه يشق إزالته بالحجر .

                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من وجوب الاستنجاء فاعلم أن الخارج من السبيلين ينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            قسم يوجب الاستنجاء وهو الغائط والبول وكل ذي بلل خرج من السبيلين .

                                                                                                                                            وقسم لا يوجب الاستنجاء وهو الصوت والريح لأن الاستنجاء موضوع لإزالة النجس ، والصوت والريح لا ينجس ما لاقاه فلم يجب الاستنجاء منه ، كما أنه لم ينجس الثوب فلم يجب غسله منه .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما اختلف قوله في وجوب الاستنجاء منه وهو ما خرج من السبيلين من الأعيان التي لا بلل معها كالدود والحصى إذا خرجا يابسين ، ففي وجوب الاستنجاء منه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجب لعدم البلل كالصوت والريح .

                                                                                                                                            والثاني : يجب لوجود العين كالغائط والبول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية