[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن
مقدمة المؤلف
الحمد لله ذي الجلال والإكرام ، والفضل والطول والمنن الجسام ، الذي هدانا للإسلام ، وأسبغ علينا جزيل نعمه وألطافه العظام ، وأفاض علينا من خزائن ملكه أنواعا من الإنعام ، وكرم الآدميين وفضلهم على غيرهم من الأنام ، وجعل فيهم قادة يدعون بأمره إلى دار السلام ، واجتبى من لطف به منهم فجعلهم من الأماثل والأعلام ، فطهرهم من أنواع الكدر ووضر الآثام ، وصيرهم بفضله من أولي النهى والأحلام ، ووفقهم للدوام على مراقبته ولزوم طاعته على تكرر السنين والأيام ، واختار من جميعهم حبيبه وخليله وعبده ورسوله
محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، فمحا به عبادة الأصنام ، وأدحض به آثار الكفر ومعالم الأنصاب والأزلام ، واختصه بالقرآن العزيز المعجز وجوامع الكلام .
فبين - صلى الله عليه وسلم - للناس ما أرسل به من أصول الديانات والآداب ، وفروع الأحكام ، وغير ذلك مما يحتاجون إليه على تعاقب الأحوال والأعوام ، - صلى الله
[ ص: 4 ] وسلم عليه وعلى جميع الأنبياء والملائكة وآل كل وأتباعهم الكرام ، صلوات متضاعفات دائمات بلا انفصام .
أحمده أبلغ الحمد وأكمله وأعظمه وأتمه وأشمله ، وأشهد أن لا إله إلا الله اعتقادا لربوبيته ، وإذعانا لجلاله وعظمته وصمديته ، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله المصطفى من خليقته ، والمختار المجتبى من بريته ، - صلى الله عليه وسلم - وزاده شرفا وفضلا لديه وكرم .
أما بعد : فإن
الاشتغال بالعلم من أفضل القرب وأجل الطاعات ، وأهم أنواع الخير وآكد العبادات ، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات ، وشمر في إدراكه والتمكن فيه أصحاب الأنفس الزكيات ، وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى المكرمات ، وسارع إلى التحلي به مستبقو الخيرات ، وقد تظاهر على ما ذكرته جمل من آيات القرآن الكريمات ، والأحاديث الصحيحة النبوية المشهورات ، ولا ضرورة إلى الإطناب بذكرها هنا لكونها من الواضحات الجليات .
وأهم أنواع العلم في هذه الأزمان الفروع الفقهيات ، لافتقار جميع الناس إليها في جميع الحالات ، مع أنها تكاليف محضة فكانت من أهم المهمات . وقد أكثر العلماء من أصحابنا الشافعيين وغيرهم من العلماء من التصنيف في الفروع من المبسوطات والمختصرات ، وأودعوا فيها من الأحكام والقواعد والأدلة وغيرها من النفائس الجليلات ، ما هو معلوم مشهور عند أهل العنايات . وكانت مصنفات أصحابنا - رحمهم الله - في نهاية من الكثرة فصارت منتشرات ، مع ما هي عليه من الاختلاف في الاختيارات ، فصار لا يحقق المذهب من أجل ذلك إلا أفراد من الموفقين الغواصين المطلعين أصحاب الهمم العاليات ، فوفق الله سبحانه وتعالى - وله الحمد - من متأخري أصحابنا من جمع هذه الطرق المختلفات ، ونقح المذهب أحسن تنقيح ، وجمع منتشره بعبارات وجيزات ، وحوى جميع ما وقع
[ ص: 5 ] له من الكتب المشهورات ، وهو الإمام الجليل المبرز المتضلع من علم المذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14345أبو القاسم الرافعي ذو التحقيقات ، فأتى في كتابه ( شرح الوجيز ) بما لا كبير مزيد عليه من الاستيعاب مع الإيجاز والإتقان وإيضاح العبارات ، فشكر الله الكريم له سعيه ، وأعظم له المثوبات ، وجمع بيننا وبينه مع أحبابنا في دار كرامته مع أولي الدرجات .
وقد عظم انتفاع أهل عصرنا بكتابه لما جمعه من جميل الصفات ، ولكنه كبير الحجم لا يقدر على تحصيله أكثر الناس في معظم الأوقات .
فألهمني الله سبحانه - وله الحمد - أن أختصره في قليل من المجلدات ، فشرعت فيه قاصدا تسهيل الطريق إلى الانتفاع به لأولي الرغبات ، أسلك فيه - إن شاء الله - طريقة متوسطة بين المبالغة في الاختصار والإيضاح فإنها من المطلوبات ، وأحذف الأدلة في معظمه وأشير إلى الخفي منها إشارات ، وأستوعب جميع فقه الكتاب حتى الوجوه الغربية المنكرات ، وأقتصر على الأحكام دون المؤاخذات اللفظيات ، وأضم إليه في أكثر المواطن تفريعات وتتمات ، وأذكر مواضع يسيرة على الإمام
الرافعي فيها استدراكات ، منبها على ذلك - قائلا في أوله : قلت : وفي آخره : والله أعلم - في جميع الحالات . وألتزم ترتيب الكتاب - إلا نادرا - لغرض من المقاصد الصالحات ، وأرجو - إن تم هذا الكتاب - أن من حصله أحاط بالمذهب وحصل له أكمل الوثوق
[ ص: 6 ] به وأدرك حكم جميع ما يحتاج إليه من المسائل الواقعات . وما أذكره غريبا من الزيادات ، غير مضاف إلى قائله ، قصدت به الاختصار ، وقد بينتها في ( شرح المهذب ) وذكرتها فيه مضافات .
وحيث أقول : على الجديد ، فالقديم خلافه ، أو : القديم ، فالجديد خلافه ، أو : على قول أو وجه ، فالصحيح خلافه . وحيث أقول : على الصحيح أو الأصح ، فهو من الوجهين . وحيث أقول : على الأظهر ، أو : المشهور ، فهو من القولين . وحيث أقول : على المذهب ، فهو من الطريقين أو الطرق .
وإذا ضعف الخلاف ، قلت : على الصحيح ، أو المشهور . وإذا قوي ، قلت : الأصح ، أو الأظهر ، وقد أصرح ببيان الخلاف في بعض المذكورات .
واستمدادي المعونة والهداية والتوفيق والصيانة في جميع أموري من رب الأرضين والسماوات . أسأله التوفيق لحسن النيات ، والإعانة على جميع أنواع الطاعات . وتيسيرها والهداية لها دائما في ازدياد حتى الممات . وأن يفعل ذلك بوالدي ومشايخي وأقربائي وإخواني وسائر من أحبه ويحبني فيه وجميع المسلمين والمسلمات ، وأن يجود علينا برضاه ومحبته ودوام طاعته وغير ذلك من وجوه المسرات وأن لا ينزع منا ما وهبه لنا ومن به علينا من الموهوبات ، وأن ينفعنا أجمعين ، وكل من يقرأ هذا الكتاب به ، وأن يجزل لنا العطيات ، وأن يطهر قلوبنا وجوارحنا من جميع المخالفات ، وأن يرزقنا التفويض إليه والاعتماد عليه والإعراض عما سواه في جميع اللحظات .
اعتصمت بالله ، توكلت على الله ، ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله . وحسبي الله ونعم الوكيل ، وله الحمد والنعمة ، وبه التوفيق والعصمة .