فصل
في مسائل منثورة
إحداها :
ليس لعامل القراض التصرف في الخمر بيعا ولا شراء وإن كان ذميا ، فإن خالف واشترى خمرا ، أو خنزيرا ، أو أم ولد ، ودفع المال في ثمنه ، ضمن ، عالما كان أو جاهلا ، لأن الضمان لا يختلف بهما . هذا هو الصحيح ، وبه قطع الجمهور . وقيل : لا ضمان في العلم والجهل ، وهو شاذ ضعيف . وقيل : يضمن في العلم دون الجهل . وقيل : يضمن في الخمر مطلقا ، ولا يضمن في أم الولد مع الجهل .
قلت : قلت الوجه المذكور في شراء الخمر عالما ، أنه لا يضمنه ، هو في الذمي دون المسلم ، لأنه يعتقده مالا ، قاله في " البيان " . والله أعلم .
الثانية :
قارضه على أن ينقل المال إلى موضع كذا ، ويشتري من أمتعته ثم [ ص: 148 ] يبيعها هناك ، أو يردها إلى موضع القراض ، قال الإمام : قال الأكثرون بفساد القراض ، لأن نقل المتاع من بلد إلى بلد ، عمل زائد على التجارة ، فأشبه شرط الطحن والخبز ، ويخالف ما إذا أذن له في السفر ، فإن الغرض منه نفي الحرج . وقال
الأستاذ أبو إسحاق وطائفة من المحققين : لا يضر شرط المسافرة ، فإنها الركن الأعظم في الأموال النفيسة .
الثالثة : قال : خذ هذه الدراهم قراضا ، وصارف بها مع الصيارفة ، ففي صحة مصارفته مع غيرهم وجهان . وجه الصحة : أن مقصوده التصرف مصارفة .
الرابعة :
خلط العامل مال القراض بماله ، صار ضامنا ، وكذا لو قارضه رجلان ، فخلط مال أحدهما بالآخر ، وكذا
لو قارضه واحد على مالين بعقدين ، فخلطهما ، ضمن . فلو دفع إليه ألفا قراضا ، ثم ألفا ، وقال : ضمه إلى الأول ، فإن لم يكن تصرف بعد في الأول ، جاز ، وكأنه دفعهما إليه معا ، وإن كان تصرف في الأول ، لم يجز القراض في الثاني ، ولا الخلط ، لأن الأول استقر حكمه بالتصرف ربحا وخسرانا ، وربح كل مال وخسرانه يختص به ، ولو دفع إليه ألفا قراضا ، وقال : ضم إليه ألفا من عندك على أن يكون ثلث ربحهما لك وثلثاه لي ، أو بالعكس ، فسد القراض ، لما فيه من شرط التفاوت في الربح مع التساوي في المال ، ولا نظر إلى العمل بعد الشركة في المال .
ولو
دفع إليه زيد ألفا قراضا ، وعمرو كذلك ، فاشترى لكل واحد عبدا بألف ، ثم اشتبها عليه ، فقولان . أحدهما : ينقلب شراء العبدين له ، ويغرم لهما ، لتفريطه . ثم المغرم عند الأكثرين الألفان . وقيل : يغرم قيمة العبدين وإن زادت . والقول الثاني : يباع العبدان ويقسم الثمن بينهما . فإن حصل ربح ، فهو بينهم على حسب الشرط . وإن حصل خسران ، قال الأصحاب : يلزمه ضمانه ، لتقصيره . واستدرك المتأخرون فقالوا : إن كان لانخفاض السوق ، لا يضمن ، لأن غايته أن يجعل كالغاصب ، والغاصب لا يضمن انخفاض السوق .
[ ص: 149 ] قال الإمام : والقياس مذهب ثالث غير القولين ، وهو أن يبقى العبدان لهما على الإشكال إن لم يصطلحا .
قلت : قال
الجرجاني في " المعاياة " : [ و ] لا يتصور خسران على العامل في غير هذه المسألة .
وبقي من الباب مسائل .
منها : لو
دفع إليه مالا وقال : إذا مت فتصرف فيه بالبيع والشراء ، ولك نصف الربح ، فمات ، لم يكن له التصرف ، بخلاف ما لو أوصى له بمنفعة عين ، لأنه تعليق ، ولأن القراض يبطل بالموت لو صح . ولو
قارضه على نقد ، فتصرف العامل ثم أبطل السلطان النقد ، ثم انفسخ القراض ، قال صاحب " العدة " و " البيان " : رد مثل النقد المعقود عليه على الصحيح . وقيل : من الحادث ولو
مات العامل ولم يعرف مال القراض من غيره ، فهو كمن مات وعنده وديعة ولم يعرف عينها ، وسيأتي بيانه في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى .
ولو
جنى عبد القراض ، قال في " العدة " : للعامل أن يفديه من مال القراض على أحد الوجهين كالنفقة عليه . والله أعلم .
[ ص: 150 ]