الباب الثاني في أحكام المساقاة
ويجمعها حكمان . أحدهما :
ما يلزم العامل والمالك . والثاني : في لزومها .
أما الأول :
فكل عمل تحتاج إليه الثمار لزيادتها ، أو صلاح ، ويتكرر كل سنة ، فهو على العامل . وإنما اعتبرنا التكرار ، لأن ما يتكرر يبقى أثره بعد فراغ المساقاة ، وتكليف العامل مثل هذا ، إجحاف به . فما يجب عليه السقي ، وما يتبعه من إصلاح طريق الماء والأجاجين التي يقف فيها الماء ، وتنقية الآبار والأنهار من الحمأة ونحوها . وإدارة الدولاب وفتح رأس الساقية ، وسدها عند السقي ، على ما يقتضيه الحال .
[ ص: 159 ] وفي تنقية النهر وجه ضعيف : أنها على المالك . ووجه : أنها على من شرطت عليه منهما . فإن لم يذكراها ، فسد العقد .
ومنه : تقليب الأرض بالمساحي وكرابها في المزارعة . قال
المتولي : وكذا تقويتها بالزبل ، وذلك بحسب العادة .
ومنه : التلقيح ، ثم الطلع الذي يلقح به على المالك ، لأنه عين مال ، وإنما يكلف العامل العمل .
ومنها : تنحية الحشيش المضر والقضبان المضرة بالشجر .
ومنه : تصريف الجريد . - والجريد : سعف النخل - . وحاصل ما قالوه في تفسيره شيئان . أحدهما : قطع ما يضر تركه يابسا وغير يابس . والثاني : ردها عن وجوه العناقيد بينها لتصيبها الشمس ، وليتيسر قطعها عند الإدراك .
ومنه : تعريش شجر العنب حيث جرت العادة به . قال
المتولي : ووضع الحشيش فوق العناقيد صونا عن الشمس عند الحاجة .
وفي حفظ الثمار وجهان . أحدهما : على العامل كحفظ مال القراض . فإن لم يحفظ بنفسه ، فعليه مؤنة من يحفظه . والثاني : على العامل والمالك جميعا بحسب اشتراكهما في الثمار ، لأن
الذي يجب على العامل ما يتعلق بزيادة الثمر وتنميته ، ويجري الوجهان في حفظ الثمر عن الطيور والزنابير ، بأن يجعل كل عنقود في قوصرة ، فيلزم ذلك على العامل على الأصح عند جريان العادة [ به ] وهذه القوصرة على المالك ، ويلزم العامل جداد الثمرة على الصحيح ، وبه قطع الأكثرون ، لأنه من الصلاح .
وقيل : لا ، لأنه بعد الفراغ . ويلزمه تجفيف الثمار على الصحيح إذا طردت العادة ، أو شرطاه . وإذا وجب التجفيف ، وجب تهيئة موضعه وتسويته ، ويسمى : البيدر والجرين ، ونقل الثمار إليه ، وتقليبها في الشمس .
وأما ما لا يتكرر كل سنة ويقصد به حفظ الأصول ، فهو من وظيفة المالك ، وذلك كحفر الآبار والأنهار الجديدة ، والتي انهارت ، وبناء الحيطان ، ونصب
[ ص: 160 ] الأبواب والدولاب ونحوها . وفي ردم الثلم اليسيرة التي تتفق في الجدران ، ووضع الشوك على رأس الجدار ، وجهان كتنقية الأنهار . والأصح : اتباع العرف . وأما الآلات التي يتوفر بها العمل ، كالفأس ، والمعول ، والمسحاة ، والثيران ، والفدان في المزرعة ، والثور الذي يدير الدولاب ، فالصحيح : أنها على المالك . وقيل : هي على من شرطت عليه ، ولا يجوز السكوت عنها ، وبه قال
أبو إسحاق ،
وأبو الفرج السرخسي .
وخراج الأرض الخراجية على المالك قطعا ، وكذا كل عين تتلف في العمل ، فعلى المالك قطعا . ثم كل ما وجب على العامل ، فله استئجار المالك عليه ، ويجيء فيه وجه . ولو شرط على المالك في العقد ، بطل العقد ، وكذا ما على المالك لو شرط على العامل ، بطل العقد ، ولو فعله العامل بلا إذن لم يستحق شيئا ، وإن فعله بإذن المالك ، استحق الأجرة . وجميع ما ذكرناه تفريع على الصحيح ، في أن تفصيل الأعمال لا يجب في العقد . فإن أوجبناه ، فالمتبع الشرط إلا أنه لا يجوز أن يكون الشرط مغيرا مقتضى العقد .