[ ص: 173 ] كتاب
الإجارة
فيه ثلاثة أبواب .
الأول : في أركانها ، وهي أربعة .
[
الركن ] الأول : العاقدان ويعتبر فيهما العقل والبلوغ كسائر التصرفات .
الركن الثاني : الصيغة ، وهي أن يقول : أكريتك هذه الدار ، أو آجرتكها مدة كذا بكذا ، فيقول : على الاتصال : [ قبلت ، أو ] استأجرت ، أو اكتريت . ولو أضاف إلى المنفعة فقال :
أجرتك أو أكريتك منافع هذه الدار ، فوجهان . أصحهما : الجواز ، وبه قطع في " الشامل " وذكر المنفعة تأكيد كقوله : بعتك عين هذه الدار أو رقبتها ، فإنه يصح البيع ، والثاني : المنع ، وبه قطع الإمام ، لأن لفظ الإجارة وضع مضافا إلى العين . وإن كان العقد في الذمة ، فقال : ألزمت ذمتك كذا ، فقيل : جاز ، وأغنى عن لفظ الإجارة والإكراء . وإن تعاقد بصيغة التمليك ، نظر ، إن أضاف إلى المنفعة فقال : ملكتك منفعتها شهرا ، جاز على الصحيح [ المعروف ] ، فإن الإجارة تمليك منفعة بعوض . ولو قال :
بعتك منفعة هذه الدار شهرا ، فوجهان . قال
ابن سريج : يجوز ، لأن الإجارة صنف من البيع . والأصح : المنع ، لأن البيع موضوع لملك الأعيان ، فلا يستعمل في المنافع ، كما لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة . وقيل وبالمنع قطعا .
الركن الثالث : الأجرة . فالإجارة قسمان . واردة على العين كمن استأجر دابة [ بعينها ليركبها ] أو يحمل عليها ، أو شخصا بعينه لخياطة ثوب . وواردة على الذمة ، كمن أستأجر دابة موصوفة للركوب أو الحمل ، أو قال : ألزمت ذمتك
[ ص: 174 ] خياطة هذا الثوب ، أو بناء الحائط ، فقبل . وفي قوله : استأجرتك لكذا ، أو لتفعل كذا ، وجهان . أصحهما : أن الحاصل به إجارة عين ، للإضافة إلى المخاطب ، كما لو قال : استأجرت هذه الدابة . والثاني : إجارة ذمة ، وعلى هذا إنما تكون إجارة عين إذا زاد فقال : استأجرت عينك أو نفسك لكذا ، أو لتعمل بنفسك كذا . وإجارة العقار لا تكون إلا إجارة عين ، لأنه لا يثبت في الذمة ، ولهذا لا يجوز السلم في أرض ولا دار .
فرع
إذا وردت
الإجارة على العين ، لم يجب تسليم الأجرة في المجلس ، كما لا يشترط تسليم الثمن في البيع . ثم إن كانت في الذمة ، فهي كالثمن في الذمة في جواز الاستبدال ، وفي أنه إذا شرط فيها التأجيل أو التنجيم ، كانت مؤجلة أو منجمة . وإن شرط التعجيل ، كانت معجلة ، وإن أطلق ، فمعجلة ، وملكها المكري بنفس العقد ، استحق استيفاءها إذا سلم العين إلى المستأجر . واستدل الأصحاب بأن المنافع موجودة أو ملحقة بالموجود ، ولهذا صح العقد عليها ، وجاز أن تكون
الأجرة دينا ، وإلا ، لكان بيع دين بدين .
فرع
يشترط
العلم بقدر الأجرة ووصفها إذا كانت في الذمة كالثمن في الذمة ، فلو قال : اعمل كذا لأرضيك أو أعطيك شيئا ، وما أشبهه ، فسد العقد ، وإذا عمل ، استحق أجرة المثل . ولو استأجره بنفقته أو كسوته ، فسد . ولو
استأجره بقدر من الحنطة أو الشعير ، وضبطه ضبط السلم ، جاز . ولو استأجره بأرطال خبز ، بني على جواز
[ ص: 175 ] السلم في الخبز . ولو
آجر الدار بعمارتها ، أو الدابة بعلفها ، أو
الأرض بخراجها ومؤنتها أو بدراهم معلومة على أن يعمرها ، ولا يحسب ما أنفق من الأجرة ، لم يصح .
ولو أجرها بدراهم معلومة على أن يصرفها إلى العمارة ، لم يصح ، لأن الأجرة ، الدراهم مع الصرف إلى العمارة ، وذلك عمل مجهول . ثم إذا صرفها في العمارة ، رجع بها . ولو أطلق العقد ، ثم أذن له في الصرف إلى العمارة ، وتبرع به المستأجر ، جاز . فإن اختلفا في قدر ما أنفق ، فقولان في أن القول قول من ؟ ولو
أعطاه ثوبا وقال : إن خطته اليوم فلك درهم ، أو غدا فنصف ، فسد العقد ووجبت أجرة المثل متى خاطه . ولو قال : إن خطته روميا فلك درهم ، أو فارسيا فنصف ، فسد ، والرومي بغرزتين ، والفارسي بغرزة .
فرع
إذا
أجلا الأجرة فحلت وقد تغير النقد ، اعتبر نقد يوم العقد . وفي الجعالة الاعتبار بيوم اللفظ على الأصح ، وقيل : بوقت تمام العمل ، لأن الاستحقاق يثبت بتمام العمل .
فرع
هذا الذي سبق ، إذا كانت الأجرة في الذمة . فلو كانت معينة ، ملكت في الحال كالمبيع ، واعتبرت فيها الشرائط المعتبرة في المبيع ، حتى لو
جعل الأجرة جلد شاة مذبوحة قبل السلخ ، لم يجز ، لأنه لا يعرف صفته في الرقة والثخانة وغيرهما .
وهل تغني رؤية الأجرة ، عن معرفة قدرها ؟ فيه طريقان . أحدهما : على قولي رأس مال السلم . والثاني : القطع بالجواز ، وهو المذهب .
[ ص: 176 ]