فصل
قد عرفت انقسام الإجارة إلى واردة على العين ، وعلى الذمة . أما
إجارة العين ، فلا يصح إيرادها على المستقبل ، كإجارة الدار السنة المستقبلة ، والشهر الآتي . وكذا إذا قال : أجرتك سنة أولها من غد ، أو أجرتك هذه الدابة للركوب إلى موضع كذا على أن تخرج غدا . ولو قال : أجرتك سنة ، فإذا انقضت ، فقد أجرتك سنة أخرى ، فالعقد الثاني باطل على الصحيح ، كما لو قال : إذا جاء رأس الشهر ، فقد أجرتك شهرا .
أما الواردة على الذمة ، فيحتمل فيها التأجيل والتأخير ، كما إذا
قال : ألزمت ذمتك حملي إلى موضع كذا في دابة صفتها كذا غدا أو غرة شهر كذا ، كما لو أسلم مؤجلا ، وإن أطلق ، كانت حالة . ولو
أجر داره لزيد سنة ، ثم أجرها لغيره السنة المستقبلة قبل انقضاء الأولى ، لم يصح . وإن أجرها لزيد نفسه ، فوجهان . وقيل : قولان . أصحهما : الجواز ، لاتصال المدتين . ولو
أجرها أولا لزيد سنة ، ثم أجرها زيد لعمرو ، ثم أجرها المالك لعمرو السنة المستقبلة قبل انقضاء الأولى ، ففيه الوجهان ، ولا يجوز إجارتها لزيد ، كذا قاله
البغوي . وفي فتاوى
القفال : أنه يجوز أن يؤجرها لزيد ، ولا يجوز أن يؤجرها لعمرو ، لأن زيدا هو الذي عاقده ، فيضم إلى ما استحق بالعقد الأول السنة المستقبلة . قال : ولو
أجر داره سنة ، ثم باعها في المدة ، وجوزناه ، لم يكن للمشتري أن يؤجرها السنة المستقبلة للمستأجر ، لأنه لم يكن بينهما معاقدة ، وتردد في أن الوارث ، هل يتمكن منه إذا مات المكري لأن الوارث نائبه ؟
[ ص: 183 ] فرع
إيجار الدار والحانوت شهرا على أن ينتفع بهما الأيام دون الليالي ، باطل ، لأن زمان الانتفاع لا يتصل بعضه ببعض ، فيكون إجارة زمن مستقبل ، بخلاف مثله في العبد والبهيمة ، فإنه يجوز ، لأنهما لا يطيقان العمل دائما ، ويرفهان في الليل على العادة عند إطلاق الإجارة . ولو
أجر دابة إلى موضع ليركبها المكري زمانا ، ثم المكتري زمانا ، لم يصح ، لتأخر حق المكتري وتعلق الإجارة بمستقبل . وإن
أجره ليركب المكتري بعض الطريق وينزل فيمشي بعضها ، أو أجر اثنين ليركب هذا زمانا ، وهذا مثله ، ففيه أربعة أوجه . أصحها وهو المنصوص في " الأم " : صحت الإجارة في الصورتين ، سواء وردت الإجارة على الذمة ، أو العين ، ويثبت الاستحقاق في الحال ، ثم يقتسم المكري والمكتري [ أو المكتريان ] ، ويكون التأخر الواقع من ضرورة القسمة والتسليم ، فلا يضر .
والثاني : تصح في الصورة الثانية دون الأولى ، لاتصال زمن الإجارة في الثانية دون الأولى . والثالث : تبطل فيهما ، لأنها إجارة أزمان متقطعة . والرابع : تصح في الصورتين إن كانت مضمونة في الذمة ، ولا تصح على دابة معينة ، وهذه المسألة تعرف بـ "
كراء العقب " وهو جمع عقبة وهي النوبة . فإذا قلنا بالجواز ، فإن كان في ذلك الطريق عادة مضبوطة ، إما بالزمان ، بأن يركب يوما وينزل يوما ، وإما بالمسافة ، بأن يركب فرسخا ويمشي فرسخا ، حمل العقد عليها ، وليس لأحدهما أن يطلب الركوب [ ثلاثا ] والنزول ثلاثا ، [ لما ] في دوام المشي من التعب . وإن لم تكن عادة مضبوطة ، فلا بد من البيان في الابتداء . وإن اختلفا فيمن يبدأ بالركوب ، أقرع . ولو أكرى دابة لاثنين ، ولم يتعرض للتعاقب ، قال
المتولي : إن احتملت الدابة ركوب شخصين ، اجتمعا على الركوب ،
[ ص: 184 ] وإلا ، فالرجوع إلى المهايأة كما سبق . ولو قال :
أجرتك نصف الدابة إلى موضع كذا ، أو أجرتك الدابة لتركبها نصف الطريق ، صح ، ويقتسمان بالزمان أو المسافة ، وهذه إجارة المشاع ، وهي صحيحة كبيع المشاع . وحكي وجه : أن إجارة نصف الدابة لا تصح ، للتقطع ، بخلاف إجارة نصف الدار ، وبخلاف ما إذا أجرهما ليركبا في محمل .
فرع
لا تصح
إجارة ما لا منفعة فيه في الحال ، ويصير منتفعا به في المدة ، كالجحش ، لأن الإجارة موضوعة على تعجيل الانتفاع ، بخلاف المساقاة .