فصل
يجوز
التنفل ماشيا ، وعلى الراحلة سائرة إلى جهة مقصده في السفر الطويل ، وكذا القصير ، على المذهب .
ولا يجوز في الحضر على الصحيح ، بل لها فيه حكم الفريضة في كل شيء إلا القيام ، وقال
الإصطخري : يجوز للراكب والماشي في الحضر مترددا في جهة مقصده .
واختار
القفال الجواز ، بشرط الاستقبال في جميع الصلاة ، وحيث جازت
النافلة على الراحلة ، فجميع النوافل سواء على الصحيح الذي عليه الأكثرون .
وعلى الضعيف : لا تجوز صلاة العيد والكسوف والاستسقاء . أما
راكب السفينة فلا يجوز تنفله فيها إلى غير القبلة لتمكنه . نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه .
وكذا من تمكن في هودج على دابة ، على الصحيح .
واستثنى صاحب ( العدة ) ملاح السفينة التي يسيرها ، وجوز تنفله حيث توجه لحاجة .
قلت : واستثناه أيضا صاحب ( الحاوي ) وغيره ، ولا بد منه . والله أعلم .
[ ص: 211 ] فرع :
إذا
لم يتمكن المتنفل راكبا من إتمام الركوع والسجود والاستقبال في جميع صلاته ، ففي وجوب الاستقبال عند الإحرام أوجه :
أصحها : إن سهل ، وجب ، وإلا فلا .
فالسهل : بأن تكون [ الدابة ] واقفة وأمكن انحرافه عليها أو تحريفها ، أو كانت سائرة وبيده زمامها ، وهي سهلة .
وغير السهل أن تكون مقطورة أو صعبة ، والثاني : لا يجب أصلا والثالث : يجب مطلقا .
فإن تعذر ، لم تصح صلاته ، والرابع : إن
كانت الدابة عند الإحرام متوجهة إلى القبلة أو إلى طريقه أحرم كما هو ، وإن كانت إلى غيرهما ، لم يجز الإحرام إلا إلى القبلة ، والاعتبار باستقبال الراكب دون الدابة ، فلو استقبل عند التحرم ، أجزأه بلا خلاف وإن كانت الدابة منحرفة عن القبلة واقفة أو سائرة .
وإذا شرطنا الاستقبال عند الإحرام ، لم نشترطه عند السلام على الأصح ، ولا يشترط فيما سواهما من أركان الصلاة ، ولكن يشترط لزوم جهة المقصد في جميعها ، إذا لم يستقبل القبلة .
وتتبع ما يعرض في الطريق من معاطف ، ولا يشترط سلوكه في نفس الطريق ، بل الشرط جهة المقصد .
فرع :
ليس
لراكب التعاسيف ترك الاستقبال في شيء من نافلته ، وهو الهائم الذي يستقبل تارة ، ويستدبر تارة ، وليس له مقصد معلوم . فلو كان له مقصد
[ ص: 212 ] معلوم ، لكن لم يسر في طريق معين ، فله التنفل مستقبلا جهة مقصده على الأظهر .
وعلى الثاني : لا ؛ لأنه لم يسلك طريقا مضبوطا ، فقد لا يؤدي سيره إلى مقصده .
فرع :
إذا
انحرف المصلي على الأرض عن القبلة ، نظر ، إن استدبرها أو تحول إلى جهة أخرى عمدا ، بطلت صلاته .
وإن فعله ناسيا ، أو عاد إلى الاستقبال على قرب ، لم تبطل ، وإن عاد بعد طول الفصل ، بطلت على الأصح . ككلام الناسي .
وإن
أماله غيره عن القبلة قهرا ، فعاد إلى الاستقبال بعد الطول ، بطلت ، وكذا على القرب ، على الأصح ، لندوره .
كما لو أكره على الكلام ، فإنها تبطل على الصحيح ، لندوره .
ولو
انحرف المتنفل ماشيا عن مقصده ، أو حرف دابته ، فإن كان إلى جهة القبلة ، لم يضره .
وإن كان إلى غيرها عمدا بطلت صلاته ، وإن كان ناسيا أو غالطا ، ظن أن الذي توجه إليه طريقه وعاد على قرب لم تبطل .
وإن طال بطلت على الأصح ، ولو
انحرف بجماح الدابة ، وطال الزمان ، بطلت على الصحيح كالإمالة قهرا . وإن قصر لم تبطل على المذهب ، وبه قطع الجمهور ؛ لعموم الجماح . وإذا لم تبطل في صورة النسيان ، فإن طال الزمان ، سجد للسهو . وإن قصر ، فوجهان :
المنصوص : لا يسجد ، وفي صورة الجماح أوجه :
أصحها : يسجد ، والثاني : لا ، والثالث : إن طال سجد وإلا فلا ، وهذا تفريع على المشهور أن النفل يدخله سجود السهو .
فرع :
هذا الذي قدمناه هو في استقبال الراكب على سرج ونحوه ، وليس عليه وضع الجبهة على عرف الدابة ، ولا على السرج والإكاف ، بل ينحني
[ ص: 213 ] للركوع ، والسجود إلى طريقه ، والسجود أخفض من الركوع .
قال إمام الحرمين : الفصل بينهما عند التمكن محتوم ، والظاهر : أنه لا يجب مع ذلك أن تبلغ غاية وسعه في الانحناء ، وأما سائر الأركان ، فكيفيتها ظاهرة .
وأما
الراكب في مرقد ونحوه ، مما يسهل فيه الاستقبال ، وإتمام الأركان ، فعليه الاستقبال في جميع الصلاة ، وإتمام الأركان في جميع الصلاة على الأصح كراكب السفينة ، والثاني : لا يشترط ، وهو منصوص .
وأما الماشي ففيه أقوال . أظهرها : أنه يشترط أن يركع ، ويسجد على الأرض وله التشهد ماشيا ، والثاني : يشترط التشهد أيضا قاعدا ولا يمشي إلا حالة القيام .
والثالث : لا يشترط اللبث بالأرض في شيء ، ويومئ بالركوع والسجود كالراكب ، وأما استقباله ، فإن قلنا بالقول الثاني وجب عند الإحرام ، وفي جميع الصلاة غير القيام .
وإن قلنا بالأول استقبل في الإحرام والركوع والسجود ، ولا يجب عند السلام على الأصح .
وإن قلنا بالثالث لم يشترط الاستقبال في غير حالة الإحرام . والسلام وحكمه فيهما حكم راكب بيده الزمام .
وإذا لم نوجب استقبال القبلة شرطنا ملازمة جهة مقصده .
فرع :
يشترط أن يكون ما يلاقي بدن المصلي على الراحلة وثيابه من السرج وغيره طاهرا ، ولو
بالت الدابة أو وطئت نجاسة أو كان على السرج نجاسة فسترها ، وصلى عليه لم يضر .
ولو أوطأها الراكب نجاسة لم يضر أيضا على الأصح .
ولو
وطئ مصل ماشيا نجاسة عمدا ، بطلت صلاته ، ولا يكلف التحفظ والاحتياط في المشي .
ولو
انتهى إلى نجاسة يابسة ، ولم يجد عنها معدلا ، قال إمام الحرمين : هذا فيه احتمال ؛ فإن كانت رطبة فمشى عليها بطلت صلاته .
[ ص: 214 ] فرع :
يشترط في جواز النفل راكبا وماشيا دوام السفر ، فلو بلغ المنزل في خلال الصلاة ، اشترط إتمامها إلى القبلة متمكنا ، وينزل إن كان راكبا .
ولو دخل بلد إقامته ، فعليه النزول ، وإتمام الصلاة مستقبلا بأول دخوله البنيان ، إلا إذا جوزنا للمقيم التنفل على الراحلة ، وكذا لو نوى الإقامة بقرية .
ولو مر بقرية مجتازا فله إتمام الصلاة راكبا ، فإن كان له بها أهل ، فهل يصير مقيما بدخولها ؟ قولان . إن قلنا : يصير ، وجب النزول والإتمام مستقبلا ؛ قلت : الأظهر ، لا يصير . والله أعلم .
وحيث أمرناه بالنزول ، فذلك
عند تعذر البناء على الدابة ، فلو أمكن الاستقبال ، وإتمام الأركان عليها وهي واقفة ، جاز .
ويشترط الاحتراز عن الأفعال التي لا يحتاج إليها . فلو
ركض الدابة للحاجة فلا بأس ، ولو أجراها بلا عذر أو كان ماشيا ، فعدا بلا عذر ، بطلت صلاته على الأصح .