فصل
وأما
المال في يد الأجير ، كالثوب إذا استؤجر لخياطته أو صبغه أو قصارته ، والعبد إذا استؤجر لتعليمه أو لرضاعه ، والدابة إذا استؤجر لرياضتها . فإذا تلف والأجير منفرد باليد ، فهو ، إما أجير مشترك ، وإما منفرد . والمشترك : هو الذي يتقبل العمل في ذمته ، كما هو عادة الخياطين والصواغين . فإذا التزم لواحد ، أمكنه أن يلتزم لغيره مثل ذلك العمل ، فكأنه مشترك بين الناس . والمنفرد : هو الذي أجر نفسه مدة مقدرة لعمل ، فلا يمكنه تقبل مثل ذلك العمل لغيره في تلك المدة .
وقيل : المشترك : هو الذي شاركه في الرأي فقال : اعمل في أي موضع شئت . والمنفرد : هو الذي عين عليه العمل وموضعه . أما المشترك ،
فهل يضمن ما تلف في يده بلا تعد ولا تقصير ؟ فيه طريقان . أصحهما : قولان . أحدهما : يضمن كالمستعير والمستلم . وأظهرهما : لا يضمن كعامل القراض . والثاني : لا يضمن قطعا .
وأما المنفرد ، فلا يضمن على المذهب ، وقطع به جماعة . أما إذا لم يكن الأجير منفردا باليد ، كما إذا قعد المستأجر عنده حتى عمل ، أو حمله إلى بيته ليعمل ، فالمذهب وبه قطع الجمهور : لا ضمان ، لأن المال غير مسلم إليه حقيقة ، وإنما استعان به المالك ، كالاستعانة بالوكيل . وعن
الإصطخري nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ، طرد القولين . وحيث ضمنا الأجير ، فالواجب أقصى قيمة من القبض إلى التلف ، أم قيمة يوم التلف ؟ فيه وجهان .
قلت : أصحهما : الثاني . والله أعلم .
هذا كله إذا لم يتعد الأجير ، فإن تعدى ، وجب الضمان قطعا ، وذلك مثل أن
[ ص: 229 ] يسرف على الخبز في الإيقاد ويلصق الخبز قبل وقته ، أو يتركه في التنور فوق العادة حتى يحترق ، أو ضرب على التأديب والتعليم الصبي فمات ، لأن تأديبه بغير الضرب ممكن . ومتى اختلفا في التعدي ومجاوزة الحد ، عملنا بقول عدلين من أهل الخبرة ، فإن لم نجدهما ، فالقول قول الأجير . ومتى تلف المال في يده بعد تعديه ، فالواجب أقصى قيمة من وقت التعدي إلى التلف إن لم يضمن الأجير . فإن ضمناه ، فأقصى قيمة من القبض إلى التلف ، كذا ذكره
البغوي وغيره . ويشبه أن يكون هذا جوابا على قولنا : يضمن بأقصى قيمة من القبض إلى التلف . فأما إن قلنا : يضمن قيمة يوم التلف ، فينبغي أن يجب هنا أقصى قيمة من التعدي إلى التلف .
قلت : هذا الاستدراك الذي ذكره الإمام
الرافعي ، متعين لا بد منه . والله أعلم .
فرع
قال الأصحاب :
إذا حجمه أو ختنه فتلف ، إن كان المحجوم والمختون حرا ، فلا ضمان ، لأنه لا تثبت اليد عليه . وإن كان عبدا ، نظر في انفراد الحاجم باليد وعدم انفراده ، وأنه أجير مشترك ، أم لا ؟ وحكمه ما سبق . والمذهب : أنه لا ضمان مطلقا إذا لم يفرط . وكذا البيطار إذا بزغ الدابة فتلفت ، والراعي المنفرد كذلك ، فلا ضمان عليهما على المذهب ، ولو اكتراه ليحفظ متاعه في دكانه فتلف ، فلا ضمان [ قطعا ] ، لأن المال في يد المالك .