فصل
الشارع في إحياء الموات متحجر ما لم يتمه ، وكذا إذا
أعلم عليه علامة للعمارة ، من نصب أحجار ، أو غرز خشبات ، أو قصبات ، أو جمع تراب ، أو خط خطوط ، وذلك لا يفيد الملك ، بل يجعله أحق به من غيره . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان وجها : أنه يملك به ، وهو شاذ ضعيف ، والتفريع على الصحيح .
قلت : قال أصحابنا : إذا
مات المتحجر ، انتقل حقه إلى ورثته . ولو نقله إلى غيره ، صار الثاني أحق به . والله أعلم .
[ ص: 287 ] وينبغي للمتحجر أن لا
يزيد على قدر كفايته ، وأن لا
يتحجر ما لا يمكنه القيام بعمارته . فإن خالف ، قال
المتولي : فلغيره أن يحيي ما زاد على كفايته ، وما زاد على ما يمكنه بعمارته . وقال غيره : لا يصح تحجره أصلا ، لأن ذلك القدر غير متعين .
قلت : قول
المتولي أقوى . والله أعلم .
وينبغي أن
يشتغل بالعمارة عقيب التحجر . فإن
طالت المدة ولم يحي ، قال له السلطان : أحي أو ارفع يدك عنه . فإن ذكر عذرا واستمهله ، أمهله مدة قريبة يستعد فيها للعمارة .
والنظر في تقديرها إلى رأي السلطان ، ولا تتقدر بثلاثة أيام على الأصح ، فإذا مضت ولم يشتغل بالعمارة ، بطل حقه . وليس لطول
المدة الواقعة بعد التحجر حد معين ، وإنما الرجوع فيه إلى العادة . قال الإمام :
وحق المتحجر يبطل بطول الزمان وتركه العمارة وإن لم يرفع الأمر إلى السلطان ولم يخاطبه بشيء ، لأن التحجر ذريعة إلى العمارة ، وهي لا تؤخر عن التحجر إلا بقدر تهيئة أسبابها ، ولهذا لا يصح
تحجر من لا يقدر على تهيئة الأسباب ، كمن يتحجر ليعمر في السنة القابلة ، وكفقير يتحجر ليعمر إذا قدر ، فوجب إذا أخر وطال أن يعود مواتا كما كان ، هذا كلام الإمام . وحكى الشيخ
أبو حامد مثله عن
أبي إسحاق ، ثم قال : عندي أنه لا يبطل إلا بالرفع إلى السلطان ومخاطبته .
فرع
لو
بادر أجنبي قبل أن يبطل حق المتحجر ، فأحيا ما تحجره ، ملكه المحيي على الأصح المنصوص ، لأنه حقق سبب الملك وإن كان ظالما ، كما لو دخل في سوم أخيه
[ ص: 288 ] واشترى . والثاني : لا يملك ، لئلا يبطل حق غيره .
والثالث : أنه إن انضم إلى التحجر إقطاع السلطان ، لم يملك المحيي ، وإلا ، فيملك . والرابع : إن أخذ المتحجر في العمارة ، لم يملك المبادر ، وإلا ، فيملك . وشبهوا المسألة بالخلاف فيما إذا
عشش الطائر في ملكه وأخذ الفرخ غيره ، هل يملكه ؟ قلت : والأصح أيضا أنه يملكه . وكذا لو توحل ظبي في أرضه ، أو وقع الثلج فيها ، ونحو ذلك ، وقد سبقت مسائل تتعلق بهذا في كتاب الصيد . والله أعلم .
فرع
لو
باع المتحجر ما تحجره ، وقلنا بالصحيح : إنه لا يملك ، لم يصح بيعه عند الجمهور . وقال
أبو إسحاق وغيره : يصح ، وكأنه يبيع حق الاختصاص . وعلى هذا لو
باع فأحياه في يد المشتري رجل ، وقلنا : يملك ، فهل يسقط الثمن ، أم لا ، لحصول التلف بعد القبض ؟ وجهان .
قلت : أصحهما : الثاني . وإذا قلنا : لا يصح البيع ، فأحياه المشتري قبل الحكم بفسخ البيع ، فهل يكون له ، أم للبائع ؟ فيه وجهان حكاهما
الشاشي ، والصحيح : الأول . والله أعلم .
فرع
لإ قطاع الإمام مدخل في الموات ، وفائدته مصير المقطع أحق بأحيائه كالمتحجر .
[ ص: 289 ] وإذا طالت المدة ، أو أحياه غيره ، فالحكم كما سبق في المتحجر ، ولا يقطع إلا لمن يقدر على الإحياء ، وبقدر ما يقدر عليه .