الركن الرابع : الصيغة ، فلا يصح الوقف إلا بلفظ ، لأنه تمليك للعين والمنفعة ، أو المنفعة ، فأشبه سائر التمليكات ، لأن العتق مع قوته وسرايته لا يصح إلا بلفظ ، فهذا أولى . فلو بني على هيئة المساجد ، أو على غير هيئتها ، وأذن في الصلاة فيه ، لم يصر مسجدا ، وكذا لو أذن في الدفن في ملكه ، لم يصر مقبرة سواء صلى في ذاك ودفن في ذا ، أم لا .
وألفاظ الوقف على مراتب :
إحداها : قوله :
وقفت كذا ، أو حبست ، أو سبلت ، أو أرضي موقوفة ، أو محبسة ، أو مسبلة ، فكل لفظ من هذا صريح ، هذا هو الصحيح الذي قطع
[ ص: 323 ] به الجمهور . وفي وجه : كل هذا كناية ، وفي وجه : الوقف صريح ، والباقي كناية ، وفي وجه : التسبيل كناية والباقي صريح .
الثانية : قوله :
حرمت هذه البقعة للمساكين أو أبدتها ، أو داري محرمة ، أو مؤبدة ، كناية على المذهب ، لأنها لا تستعمل إلا مؤكدة للأولى .
الثالثة :
تصدقت بهذه البقعة ، ليس بصريح ، فإن زاد معه شيئا ، فالزيادة لفظ ، أو نية ، فأما اللفظ ، ففيه أوجه . أصحها : إن قرن به بعض الألفاظ السابقة ، بأن
قال : صدقة محرمة ، أو محبسة ، أو موقوفة ، أو قرن به حكم الوقف ، فقال : صدقة لا تباع ، ولا توهب ، التحق بالصريح ، لانصرافه بهذا عن التمليك المحض .
والثاني : لا يكفي قوله : صدقة محرمة ، أو مؤبدة ، بل لا بد من التقييد بأنها لا تباع ، ولا توهب ، ويشبه أن لا يعتبر هذا القائل في قوله : صدقة موقوفة مثل هذا التقييد .
والثالث : لا يكون صريحا بلفظ ما ، لأنه صريح في التمليك المحض . وأما النية ، فإن أضاف إلى جهة عامة بأن
قال : تصدقت به على المساكين ونوى الوقف ، فوجهان : أحدهما : أن النية لا تلتحق باللفظ في الصرف عن صريح الصدقة إلى غيره . وأصحهما : تلتحق فيصير وقفا .
وإن أضاف إلى معين ، فقال :
تصدقت عليك ، أو قاله لجماعة معينين ، لم يكن وقفا على الصحيح ، بل ينفذ فيما هو صريح فيه ، وهو التمليك المحض ، كذا قاله الإمام .
ولك أن تقول : تجريد لفظ الصدقة عن القرائن اللفظية يمكن تصويره في الجهات العامة ، ولا يمكن في معينين إذا لم نجوز الوقف المنقطع ، فإنه يحتاج إلى بيان المصارف بعد المعينين ، وحينئذ فالمأتي به لا يحتمله غير الوقف ، كما أن
قوله : تصدقت به صدقة محرمة ، أو موقوفة ، لا يحتمل غير الوقف .
[ ص: 324 ] فرع
لو
قال : جعلت هذا المكان مسجدا ، صار مسجدا على الأصح ، لإشعاره بالمقصود واشتهاره فيه . وقطع الأستاذ
أبو طاهر والمتولي ،
والبغوي ، بأنه لا يصير مسجدا ، لأنه لم يوجد شيء من ألفاظ الوقف .
قال الأستاذ : فإن
قال : جعلته مسجدا لله تعالى ، صار مسجدا .
وحكى الإمام خلافا للأصحاب في استعمال لفظ الوقف فيما يضاهي التجريد ، كقوله :
وقفت هذه البقعة على صلاة المصلين ، وهو يريد جعلها مسجدا ، والأصح صحته .