فرع
فيما إذا عجز عن القعود .
قد ذكرنا أن العجز عن القيام ، يتحقق بتعذره ، أو لحوق مشقة شديدة ، أو غيرهما مما قدمناه . قال الجمهور :
والعجز عن القعود ، يحصل بما يحصل به العجز عن القيام .
وقال إمام الحرمين : لا يكفي ذلك ، بل يشترط فيه عدم تصور القعود ، أو خيفة الهلاك ، أو المرض الطويل ، إلحاقا له بالمرض المبيح للتيمم .
وفي
كيفية صلاته ، وجهان : وقيل : قولان :
أصحهما : يضطجع على جنبه الأيمن ، مستقبلا بوجهه ومقدم بدنه القبلة ، كالميت في لحده . فلو خالف ، واضطجع على جنبه الأيسر ، صح ، إلا أنه ترك السنة .
والثاني :
[ ص: 237 ] أنه يستلقي على ظهره ، ويجعل رجليه إلى القبلة ، ويرفع وسادته قليلا ، وهذا الخلاف في القادر على الاضطجاع والاستلقاء . فإن لم يقدر إلا على أحدهما ، أتى به .
قال إمام الحرمين : هذا الخلاف في الكيفية الواجبة ، بخلاف الخلاف السابق في كيفية القعود ، فإنه في الأفضل ، لاختلاف استقبال بهذا دون ذاك .
وفي المسألة ، وجه ثالث : أنه يضطجع على جنبه ، وأخمصاه إلى القبلة . ثم إذا صلى على هيئة من هذه الهيئات ، وقدر على الركوع والسجود ، أتى بهما ، وإلا أومأ بهما منحنيا ، وقرب جبهته من الأرض بحسب الإمكان ، و [ جعل ] السجود أخفض من الركوع .
فإن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه . فإن عجز عن تحريك الأجفان ، أجرى أفعال الصلاة على قلبه . فإن اعتقل لسانه ، أجرى القرآن والأذكار على قلبه ، وما دام عاقلا ، لا تسقط عنه الصلاة .
ولنا وجه : أنه تسقط الصلاة ، إذا عجز عن الإيماء بالرأس ، وهو مذهب
أبي حنيفة رحمه الله ، وهو شاذ .
والمعروف في المذهب : ما قدمناه .
فرع :
القادر على القيام ، إذا أصابه رمد ، وقال له طبيب موثوق به : إن صليت مستلقيا أو مضطجعا أمكن مداواتك ، وإلا خيف عليك العمى جاز له الاضطجاع والاستلقاء على الأصح ، ولو قال : إن صليت قاعدا ، أمكنت .
فقال إمام الحرمين : يجوز القعود قطعا ، ومفهوم كلام غيره : أنه على الوجهين .
[ ص: 238 ] فرع :
لو
عجز في أثناء صلاته عن القيام ، قعد وبنى ، ولو
صلى قاعدا ، فقدر على القيام في أثنائها ، قام وبنى ، وكذا لو
صلى مضطجعا ، فقدر على القيام أو القعود أتى بالمقدور وبنى .
ثم إذا تبدل الحال بالنقص إلى الكمال ، بأن
قدر القاعد على القيام لخفة المرض ، نظر ، إذا اتفق ذلك قبل القراءة ، قام وقرأ قائما .
وكذا إن كان في أثناء القراءة ، قام وقرأ بقية الفاتحة في حال القيام ، ويجب ترك القراءة في النهوض إلى أن ينتصب معتدلا . فلو قرأ في نهوضه بعض الفاتحة ، فعليه إعادته . وإن قدر بعد الفاتحة قبل الركوع ، لزمه القيام ليهوي منه إلى الركوع ، ولا يلزمه الطمأنينة في هذا القيام ؛ لأنه ليس مقصودا لنفسه .
ويستحب في هذه الأحوال ، أن يعيد الفاتحة ليقع في حال الكمال ، ولو وجد الخفة في ركوعه قاعدا ، فإن كان قبل الطمأنينة لزمه الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام .
ولا يجوز أن يرتفع قائما ثم يركع ، لئلا يزيد ركوعا ، ولو فعله بطلت صلاته ، وإن كان بعد الطمأنينة ، فقد تم ركوعه ، ولا يلزمه الانتقال إلى ركوع القائمين .
ولو
وجد الخفة في الاعتدال عن الركوع قاعدا ، فإن كان قبل الطمأنينة ، لزمه أن يقوم ، ليعتدل ويطمئن ، وإن كان بعدها ، فوجهان :
أحدهما : يلزمه أن يقوم ليسجد عن قيام ، وأصحهما : لا يلزمه لئلا يطول الاعتدال ، وهو ركن قصير .
فإن اتفق ذلك في الركعة الثانية من الصبح قبل القنوت ، لم يقنت قاعدا .
فإن فعل ، بطلت صلاته . بل يقوم ، ويقنت .
أما إذا تبدل الحال من الكمال إلى النقص ، بأن عجز في أثناء الصلاة ، فينتقل إلى الممكن .
فإن اتفق العجز في أثناء الفاتحة ، وجب إدامة القراءة في هويه .
[ ص: 239 ] فرع :
يجوز
فعل النافلة قاعدا مع القدرة على القيام . لكن ثوابها يكون نصف ثواب القائم ، ولو تنفل مضطجعا ، مع القدرة على القيام ، والقعود ، جاز على الأصح .
ثم المضطجع في الفريضة ، يأتي بالركوع والسجود ، إذا قدر عليهما ، وهنا الخلاف في جواز الاضطجاع يجري في الاقتصار على الإيماء . لكن الأصح منع الاقتصار على الإيماء .
قال إمام الحرمين : ما عندي أن من جوز الاضطجاع ، يجوز الاقتصار في الأركان الذكرية كالتشهد والتكبير وغيرهما على ذكر القلب . ثم يستوي فيما ذكرناه النوافل كلها ، الراتبة وغيرها ، على الصحيح .
وفي وجه شاذ : لا تجوز
صلاة العيد والكسوف والاستسقاء قاعدا مع القدرة كالجنازة .