المسألة الرابعة :
التقاط الصبي ، فيه طريقان كالفاسق . والمذهب صحته كاحتطابه واصطياده ، فإن صححناه فلم يعلم به الولي ، وأتلفه الصبي ، ضمن . وإن تلف في يده ، فوجهان . أصحهما : لا ضمان عليه كما لو أودع مالا فتلف عنده . وتسليط الشرع له على الالتقاط ، كتسليط المودع . والثاني : يضمن لضعف أهليته ، فإنه لا يقر في يده . فإن علم به الولي ، فينبغي أن ينتزعه من يده ، ويعرفه . ثم إن رأى المصلحة في تملكه للصبي ، جاز حيث يجوز الاستقراض عليه . وقال
ابن الصباغ : عندي يجوز التملك له ، وإن لم يجز الاقتراض ، لأنه على هذا القول ملحق بالاكتساب .
[ ص: 401 ] قلت : هذا الذي قاله
ابن الصباغ ، كما هو شذوذ عن الأصحاب ، فهو ضعيف دليلا ، فإنه اقتراض . والله أعلم .
وإن لم ير التملك له ، حفظه أمانة ، أو سلمه إلى القاضي . وإذا احتاج التعريف إلى مؤنة ، لم يصرفها من مال الصبي ، بل يرفع الأمر إلى القاضي ليبيع جزءا من اللقطة لمؤنة التعريف . ويجيء وجه مما سنذكره - إن شاء الله تعالى - في التقاط الشاة : أنه يبيع بنفسه ، ولا يحتاج إلى إذن الحاكم . ولو
تلفت اللقطة في يد الصبي قبل الانتزاع بغير تفريط ، فلا ضمان . وإن
قصر الولي بتركها في يده حتى تلفت ، أو أتلفها ، لزم الولي الضمان من مال نفسه ، وشبهوه بما إذا
احتطب الصبي وتركه الولي في يده حتى تلف ، أو أتلفه الصبي ، يجب الضمان على الولي ، لأن عليه حفظ الصبي عن مثله . قال
البغوي : ثم يعرف التالف ، وبعد التعريف يتملك للصبي إن كان في التملك مصلحة ، ويشبه أن يكون هذا فيما إذا وجد قبض من جهة القاضي ليصير المقبوض ملكا للملتقط ، أو إفرازا من جهة الولي إذا قلنا : إن
من التقط شاة وأكلها يفرز بنفسه قيمتها من ماله . فأما الضمان في الذمة ، فلا يمكن تملكه للصبي . أما إذا قلنا : لا يصح التقاط الصبي ، فإذا التقط وتلفت في يده أو أتلفها ، وجب الضمان في ماله ، وليس للولي أن يقرها في يده ، بل يسعى في انتزاعها ، فإن أمكنه رفع الأمر إلى القاضي ، فعل ، وإن انتزع الحاكم ، ففي براءة الصبي عن الضمان الخلاف المذكور في انتزاع القاضي المغصوب من الغاصب ، وأولى بحصول البراءة نظرا للطفل . إن لم يمكنه رفع الأمر إلى القاضي ، أخذه بنفسه ، وتبنى براءة الصبي عن الضمان على الخلاف في براءة الغاصب بأخذ الآحاد .
[ ص: 402 ] فإن لم تحصل البراءة ، ففائدة الأخذ صون عين المال عن التضييع ، والإتلاف . قال
المتولي : وإذا أخذه الولي ، فإن أمكنه التسليم إلى القاضي فلم يفعل حتى تلف ، لزمه الضمان ، وإلا ، فقرار الضمان على الصبي . وفي كون الولي طريقا ، وجهان . وهذا إذا أخذ الولي لا على قصد الالتقاط . أما إذا قصد ابتداء الالتقاط ، ففيه وجهان ، وليكونا كالخلاف في الأخذ من العبد على هذا القصد إذا لم نصحح التقاطه . ولو قصر الولي وترك المال في يده ، قال
المتولي : لا ضمان عليه إذا تلف ، لأنه لم يحصل في يده ، ولا حق للصبي فيه حتى يلزمه حفظه ، بخلاف ما إذا فرعنا على القول الأول . وخصص الإمام هذا الجواب بما إذا قلنا : إن أخذه لا يبرئ الصبي . أما إذا قلنا : يبرئ ، فعليه الضمان لتركه الصبي في ورطة الضمان ، ويجوز أن يضمن . وإن قلنا : إن أخذه لا يبرئ الصبي لأن المال في يد الصبي معرض للضياع ، فحق أن يصونه .
فرع
المجنون كالصبي في الالتقاط ، وكذا المحجور عليه بسفه ، إلا أنه يصح تعريفه ، ولا يصح تعريف الصبي والمجنون .