الركن الثالث :
الشيء الملتقط ، وهو قسمان . مال وغيره ، والمال نوعان ، حيوان وجماد . والحيوان ضربان ، آدمي وغيره . وغيره صنفان :
أحدهما :
ما يمتنع من صغار السباع بفضل قوته ، كالإبل ، والخيل ، والبغال ، والحمير ، أو بشدة عدوه كالأرانب ، والظباء المملوكة ، أو بطيرانه كالحمام ، فإن وجدها في مفازة ، فللحاكم ونوابه أخذها للحفظ . وفي جواز أخذها للآحاد للحفظ وجهان . أصحهما عند الشيخ
أبي حامد ،
والمتولي ، وغيرهما : جوازه ، وهو المنصوص ، لئلا يأخذها
[ ص: 403 ] خائن فتضيع . وأما أخذها للتملك ، فلا يجوز لأحد . فمن أخذها للتملك ضمنها ، ولا يبرأ عن الضمان بالرد إلى ذلك الموضع . فإن دفعها إلى القاضي ، برئ على الأصح . وإن وجدها في بلدة أو قرية ، أو في موضع قريب منها ، فوجهان أو قولان . أحدهما : لا يجوز التقاطها للتملك كالمفازة . وأصحهما : جوازه ، لأنها في العمارة تضيع بتسلط الخونة . وقيل : يجوز قطعا . وقيل : لا يجوز قطعا . فإن منعنا ، فالتقاطها بقصد التملك كما ذكرنا في التقاطها من الصحراء . وإن جوزناه ، فعلى ما سيأتي في النصف الثاني - إن شاء الله تعالى - . هذا كله إذا كان زمان أمن . فأما في زمن النهب ، والفساد ، فيجوز التقاطها قطعا . وسواء وجدت في الصحراء أو العمران ، كما سيأتي فيما لا يمتنع ، قاله
المتولي .
الصنف الثاني :
ما لا يمتنع من صغار السباع ، كالكسير ، والغنم ، والعجول ، والفصلان ، فيجوز التقاطها للتملك ، سواء وجدت في المفازة ، أو العمران . وفي وجه : لا يؤخذ ما وجد في العمران . والصحيح المعروف : أنه لا فرق . ثم إذا وجده في المفازة ، فهو بالخيار بين أن يمسكها ، ويعرفها ، ثم يتملكها ، وبين أن يبيعها ، ويحفظ ثمنها ، ويعرفها ، ثم يتملك الثمن ، وبين أن يأكلها إن كانت مأكولة ويغرم قيمتها . والخصلة الأولى أولى من الثانية ، والثانية أولى من الثالثة . وإن وجدها في العمران ، فله الإمساك مع التعريف ، والتملك ، وله البيع والتعريف وتملك الثمن . وفي الأكل قولان . أحدهما : الجواز كالمفازة . وأظهرهما عند الأكثرين : المنع ، لأن البيع في العمران أسهل هذا إذا كانت مأكولة ، فأما
الجحش وصغار ما لا يؤكل ، فحكمها في الإمساك والبيع حكم المأكول ، وفي جواز تملكها في الحال ، وجهان :
أحدهما : نعم ، كما يجوز أكل المأكول . ولو لم نجوز ذلك لأعرض عنها الواجدون ولضاعت ، وأصحهما : لا يجوز تملكها حتى تعرف سنة كغيرها .
[ ص: 404 ] ويتفرع على الخصال الثلاث مسائل :
إحداها : إذا أمسكها وتبرع بالإنفاق ، فذاك . وإن أراد الرجوع ، فلينفق بإذن الحاكم . فإن لم يجد حاكما ، أشهد كما سبق في نظائره .
الثانية : إذا
أراد البيع ، فإن لم يجد حاكما ، استقل به . وإن وجده ، فالأصح أنه يجب استئذانه . وهل يجوز
بيع جزء منها لنفقة باقيها ؟ قال الإمام : نعم ، كما تباع جميعها . وحكى عن شيخه احتمالا أنه لا يجوز ، لأنه يؤدي إلى أن تأكل نفسها ، وبهذا قطع
nindex.php?page=showalam&ids=14404أبو الفرج الزاز ، قال : ولا يستقرض على المالك أيضا ، لهذا المعنى ، لكنه يخالف ما سبق في هرب الجمال ونحوه .
قلت : الفرق بينه وبين هرب الجمال ظاهر ، فإن هناك لا يمكن البيع لتعلق حق المستأجر ، وهنا يمكن ، فلا يجوز الإضرار بمالكها من غير ضرورة . والله أعلم .
فرع
متى حصلت الضالة في يد الحاكم ، فإن كان هناك حمى ، سرحها فيه ووسمها بسمة الضوال ، ويسم نتاجها أيضا . وإن لم يمكن ، فالقول في بيع كلها أو بعضها للنفقة على ما سبق ، لكن لو توقع مجيء المالك في طلبها على قرب ، بأن عرف أنها من نعم بني فلان ، تأنى أياما كما يراه .
الضرب الثاني : الآدمي ، فإذا
وجد رقيقا مميزا ، والزمان آمن ، لم يأخذه ، لأنه يستدل على سيده . وإن
كان غير مميز ، أو مميزا في زمن نهب ، جاز أخذه كسائر الأموال . ثم يجوز تملك العبد والأمة التي لا تحل كالمجوسية ، والمحرم . وإن كانت ممن تحل ، فعلى قولين كالاستقراض . فإن منعناه ، لم يجب التعريف ، كذا ذكره الشيخ
أبو حامد . وينفق على الرقيق مدة الحفظ من كسبه ، وما بقي من الكسب
[ ص: 405 ] حفظ معه . فإن لم يكن كسب ، فعلى ما سبق في الصنف الثاني . وإذا
بيع ثم ظهر المالك وقال : كنت أعتقته ، فقولان . أظهرهما : يقبل قوله ويحكم بفساد البيع . والثاني : لا ، كما لو باع بنفسه .
النوع الثاني : الجماد ، وينقسم إلى ما يبقى ، بمعالجة ، كالرطب يجفف ، أو بغيرها ، كالذهب والفضة والثياب ، وإلى ما لا يبقى ، كالهريسة ، وكل ذلك لقطة يؤخذ ويملك ، لكن فيما لا يبقى ، أو يبقى بمعالجة مزيد كلام نذكره في الباب الثاني - إن شاء الله تعالى - .