الحكم الثاني :
جناية اللقيط ، والجناية عليه . أما جنايته ، فإن كانت خطأ ، فموجبها في بيت المال ، ولا نخرج ذلك على الخلاف في التوقف ، كما لا نتوقف في صرف تركته إلى بيت المال . وإن كانت عمدا ، نظر ، إن كان بالغا ، فعليه القصاص بشرطه . وإن
جنى قبل البلوغ ، فإن قلنا : عمد الصبي عمد ، وجبت الدية مغلظة في ماله . فإن لم يكن له مال ، ففي ذمته إلى أن يجد . وإن قلنا : خطأ ، وجبت مخففة في بيت المال . ولو أتلف مالا ، فالضمان عليه ، فإن
كان اللقيط محكوما بكفره ، فالتركة فيء ، ولا تكون جنايته في بيت المال . وأما
الجناية عليه ، فإن كانت خطأ ، نظر ، إن كانت على نفسه ، أخذت الدية ووضعت في بيت المال . وقياس من قال بالتوقف في أحكامه : أن لا يوجب الدية الكاملة ، ولم أره .
[ ص: 436 ] قلت : الصواب ، الجزم بالدية الكاملة . والله أعلم .
وإن
كانت على طرفه ، فواجبها حق اللقيط يستوفيه القاضي ، ويعود فيه القياس المذكور . وإن كانت عمدا ، فإن قتل ، وجب القصاص على الأظهر . وقيل : يجب قطعا ، وهو نصه في " المختصر " ، لأنه مسلم معصوم . وإن قتل بعد البلوغ والإفصاح بالإسلام ، وجب قطعا . وقيل : على الخلاف ، لأن القصاص حق للمسلمين ، ولا يتصور رضا كلهم باستيفائه . وإن قتل بعد البلوغ قبل الإفصاح ، فعلى الخلاف . وقيل : لا يجب قطعا ، لقدرته على الإفصاح الواجب . وإن كانت الجناية على الطرف ، وجب القصاص على المذهب . وقيل : قولان . ثانيهما : يتوقف . فإن بلغ وأفصح ، تبينا وجوبه ، وإلا ، فعدمه . وإن كان الجاني على النفس أو الطرف كافرا رقيقا ، وجب على المذهب . وقيل : قولان ، لأنه حق للمسلمين ، ولا يتصور رضاهم .
فرع
إذا أوجبنا له القصاص ، فقصاص النفس يستوفيه الإمام إن رآه مصلحة . وإن رأى العدول إلى الدية ، عدل ، وليس له العفو مجانا ، لأنه خلاف مصلحة المسلمين . وأما قصاص الطرف ، فإن كان اللقيط بالغا عاقلا ، فالاستيفاء إليه ، وإلا ، فليس للإمام استيفاؤه . وقال
القفال : يجوز في المجنون ، لأنه ليس لإفاقته زمن معين ، وهذا ضعيف عند الأصحاب . وأضعف وجه حكاه السرخسي في جواز الاقتصاص ، حيث يجوز له أخذ الأرش . والمذهب : المنع قطعا . وإذا لم يقتص ، فهل له أخذ أرش الجناية ؟ نظر ، إن كان المجني عليه مجنونا فقيرا ، فله وإن كان صبيا غنيا ، فلا ، وإن كان مجنونا غنيا ، أو صبيا فقيرا ، فالأصح المنع . وحيث منعنا الأرش ،
[ ص: 437 ] أو لم نر المصلحة فيه ، يحبس الجاني إلى البلوغ والإفاقة ، وإذا جوزناه فأخذه ، ثم بلغ الصبي أو أفاق المجنون ، وأراد أن يرده ويقتص ، ففي تمكنه وجهان شبيهان بما لو عفا الولي عن الشفعة للمصلحة فبلغ وأراد الأخذ ، وهما مبنيان على أن أخذ المال عفو كلي وإسقاط للقصاص ، أم سببه الحيلولة لتعذر الاستيفاء ؟ وقد يرجح الأول بأن الحيلولة إنما تكون إذا جاءت من قبل الجاني كإباق المغصوب .
قلت : الراجح الأول . والله أعلم .
وما ذكرناه في
أخذ الأرش للقيط ، جار في كل طفل يليه أبوه أو جده بلا فرق . وحكى الإمام عن شيخه ، أنه ليس للوصي أخذه ، قال : وهذا حسن إن جعلناه إسقاطا . وإن قلنا : للحيلولة ، فينبغي أن لا يجوز [ للوصي أيضا ] .